![يا سلام على تشا.. بقلم: جعفر عباس](https://al-sharq.com/get/maximage/20201201_1606772472-472.jpg)
يا سلام على تشا.. بقلم: جعفر عباس
Al Sharq
منذ شهور طويلة وأنا أود أن أكتب معربا عن إعجابي بالسيدة «تشا»، ولكن ولأنني أكتب مقالاتي في غالب الأحوال في البيت، فقد خشيت ان تداهمني أم المعارك وأنا في حالة تلبس،
منذ شهور طويلة وأنا أود أن أكتب معربا عن إعجابي بالسيدة «تشا»، ولكن ولأنني أكتب مقالاتي في غالب الأحوال في البيت، فقد خشيت ان تداهمني أم المعارك وأنا في حالة تلبس، وتمسح بي الأرض، خصوصا وانا معتقل في البيت منذ أكثر من سنة، بسبب افتراض محبط وهو أنني أكثر أفراد العائلة عرضة للهلاك إذا زارني فيروس الكورونا، بينما كنت أود ان يعتبروني السبع الذي سيخيف الكورونا ويمنعها من الاقتراب من البيت، المهم أنني قررت التسلل الى موقع العمل لمدة قصيرة (حتى رؤسائي في العمل قالوا إنهم لا يريدون رؤية خلقتي في عصر الكورونا) متذرعا بضرورة الذهاب الى عيادة طبية، للحصول على عقاقير ضرورية، وهكذا وجدت هذه الفرصة لأعبر عن إعجابي بالسيدة تشا: شوف، حتى اسمها موسيقي.. وهناك رقصة اسمها تشاتشا تشا cha-cha..وما قد يبعد عني الشبهات وبالتالي العدوان من ام المعارك حتى لو قرأت كلامي هذا هو ان تشا هذه تبلغ من العمر 68 سنة. كما أنني لست معجبا بحلاوة وجهها او حسن حديثها او خفة ظلها وليس فيها شيء من ذلك حسب صورتها التي أمامي، بل بكونها ذات رأس «ناشف» تشا كورية جنوبية خضعت مؤخرا لامتحان قيادة السيارات للمرة ال 772 ورسبت بجدارة، وعلى الفور عبأت استمارة الامتحان رقم 773!! وقد أنفقت تشا حتى الآن 6800 $ في دفع رسوم الاستمارات الورقية الخاصة بالحصول على فرصة الخضوع للامتحان، أما عن رسوم مدارس تعليم قيادة السيارات فقد كانت عشرات الآلاف من الدولارات، وحسب النظام الكوري الجنوبي على طالب رخصة قيادة سيارة أن يفعل ذلك مع مدرسة متخصصة في هذا المجال ويدفع لها الرسوم كاملة ثم يجتاز اختبارا نظريا حول قوانين السير، ومعاني ودلالات اللافتات الموجودة في الشوارع قبل النزول الى الميدان بالسيارة، وكان كل ذلك الرسوب في الامتحان التحريري، يعني لم تجد حتى الآن الفرصة لقيادة السيارة في الميدان/ الشارع؛ ولكن العمة تشا متفائلة بطبعها، وتقول إنها تأمل في الحصول على رخصة قيادة السيارات قبل بلوغها الخامسة والسبعين، أما عندنا فلو قرر شخص في السبعين حشو ضرس مسوس قالوا له: اختشي على دمك.. عاوز تأكل زمنك وزمن غيرك ما يعجبني في عناد طنط تشا ليس فقط أنها مصرة على الحصول على رخصة قيادة السيارات، بل لماذا تريد الحصول على الرخصة؟.. هي من مقاطعة جيولا الشمالية وتريد ان تعمل بالتجارة، ولهذا فهي ترغب في ان تكون لها شاحنة صغيرة تقودها بنفسها لتصريف وتوزيع السلع. يعني لا تريد لكزس او بي إم دبليو لزوم العنطزة والنفخة، بل هي قليلة الحيلة والمال وتريد ان تؤمن «مستقبلها»، بينما في قاموسنا الاجتماعي يصبح الإنسان بلا مستقبل بعد ان يتجاوز الخمسين. أما بالنسبة لتشا فالمستقبل يبدأ «الآن».. و»الآن» هذه لم تأت بعد، ولن تأتي إلا بعد ان يصبح بمقدورها ان تقود شاحنة بعد سبع سنوات حسب تقديرها أي عندما يكون عمرها 75 سنة. عندما تكون سودانيا في سن ال 75 لا يسمح لك أعضاء أسرتك حتى بالاستحمام بمفردك: «ولو مُصِر خلي باب الحمام مفتوح»، حتى لو لم تكن ضحية مرض غدار. هو نوع من الاهتمام ولكنه محبط!! فكم هو محبط ان تجعل شخصا ما يحس بأنه عاجز استنادا الى لغة الأرقام؛ ماذا يعني ان تقول لشخص ما لا تغلق باب الحمام وراءك سوى أنه «مرشح» لنوبة قلبية او جلطة. وعندنا أناس يتولون إحباط أنفسهم بأنفسهم: تدعوه للطعام فيقول «الى متى نأكل. منذ كذا وستين سنة وأنا أأكل.. لم تعد تفرِق معي».. يا عزيزي هل تعرف إنه عند سؤال المحكوم عليهم بالإعدام عما يرغبون فيه في الساعات الأخيرة قبل مواجهة الموت، فان أكثر من 90% منهم يطلبون أطعمة معينة.. لا تجعل الحكومة تقتلك وتقتل فيك الرغبة في الحياة بإحالتك الى التقاعد في سن معينة، ولا تجعل أفراد عائلتك يقتلونك بالاهتمام والقلق الزائد على حالك.. كن مثل تشا وقل «المستقبل يبدأ الآن» وحتى لو شاخ جسمك فلا تدع روحك تشيخ.More Related News