
وُلد مع إحياء الخلافة وحشَد المماليك لمقاومة التتار وفتح مجلسه للنساء.. ابن تيمية الإمام السلفي الذي رُشح لمشيخة الصوفية
Al Jazeera
يسعى هذا المقال لرسم ملامح شخصية الإمام ابن تيمية وسيرته عبر التطرق لسياقات ومواقف ونماذج توضح الأبعاد الكبرى التي اتسمت بها مسيرته ومشروعه؛ فهو مجتهد مصلح، ومعلِّم مصنِّف، ومفكر ناقد، ومُناظِر بارع.
في يوم الاثنين 2 محرّم 683هـ/1284م بدار الحديث السكّرية الواقعة في حي القَصّاعين بدمشق؛ حضر جمْع من أئمة الوسط العلمي يتقدمهم قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزَّكِي الشافعي (ت 685 هـ/1287م)، والشيخ تاج الدين الفَزاري شيخ الشافعية (ت 690هـ/1291م)، والشيخ زين الدين ابن المرحّل الشافعي (ت 691هـ/1292م)، وزين الدين ابن الـمُـنْجَى الحنبلي (ت 695هـ/1296م)؛ جاء الجمع ليشهد أول حلقة تدريس يعقدها شاب في الثانية والعشرين من عمره اسمه أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت 728هـ/1328م)، ويخبرنا الذهبي (ت 748هـ/1347م) -في ’تاريخ الإسلام’- بأن هذا الشاب "خضع العلماء لحسن درسه" في هذ اليوم الذي كان "يوما مشهودا"! من تلك الحلقة وذلك التاريخ؛ لم يتوقف صوت ابن تيمية لحظة عن الصَّدْح بآرائه والصَّدْع بمواقفه، وبعد أن أُعِيد الجسدُ إلى التراب استطالت الشجرة، وطوال قرون انداحت فروعها في جنبات العالم الإسلامي وسَرَى رُوحُها فيها. جاء ابن تيمية من رحم العاصفة وهكذا كان مشروعه الذي نجم في لحظة قلق كبرى، وفي حياته كلها كان يمشي على وَتَرٍ مشدود فوق رمال متحركة من المعارك الفكرية التي كلما خَبَتْ تجدّدت وتأجّجت، وطاف في جغرافيا ساخنة بين الشام ومصر شاء القدَرُ أن تكون آخرَ مراكز المقاومة الحضارية للأخطار الغازية آنذاك. كان ابن تيمية إذن هو ترجمان لحظة المقاومة تلك؛ فكان يجمع بين هموم المفكر وهمة المناضل، وأوْقَد في عصره -ولا يزال- ثورة فكرية وروحية، وفتح باب السؤال الاجتهادي وقد كاد أن يوصد، وكان -كما وصفه الذهبي- من "أئمة النقد" فحاكم تراث أسلافه والتراث اليوناني، وهو من مؤرخي الأفكار الكبرى في التاريخ الانساني، وله وقعه الخاص في رسم الخرائط الفكرية والمعرفية حيث تجده يعيد تفريع المدارس ويُمَوْضِعُها بحسب طبيعة كل خريطة.More Related News