وسط مخاوف من تصعيد موسع في العراق.. تحول الأزمة السياسية إلى تصادم في الشارع
Al Sharq
تسارعت الأحداث في العراق مما أدى إلى تصاعد المخاوف من عودة شبح الاقتتال في البلاد من جديد، فيما دخلت قوى عربية ودولية على خط الأزمة، داعية الى التهدئة والحوار.
تسارعت الأحداث في العراق مما أدى إلى تصاعد المخاوف من عودة شبح الاقتتال في البلاد من جديد، فيما دخلت قوى عربية ودولية على خط الأزمة، داعية الى التهدئة والحوار. ومع تواصل الانسداد السياسي الذي يعيشه العراق، انفجر الوضع على الأرض بين الأطراف، واضعة البلاد في مفترق طرق. ويعتبر الحظر الشامل للتجوال الذي فرضته السلطات العراقية في جميع المحافظات أمس /الإثنين/، دلالة على أن الأزمة السياسية الراهنة عصية على الحل مقارنة بغيرها من الأزمات السابقة التي شهدتها البلاد، إذ وضعت الخلافات المتصاعدة بين القوى السياسية العراق في مأزق البقاء بدون حكومة لفترة طويلة. وبعد إعلان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري اعتزاله العمل السياسي وعدم التدخل في الشؤون السياسية بشكل نهائي وإغلاق كافة المؤسسات التابعة له، اقتحم عشرات المحتجين القصر الجمهوري ومقر مجلس الوزراء وعددا من المباني والمؤسسات الحكومية في المنطقة الخضراء ووقعت اشتباكات مسلحة بالمنطقة وعدد من المحافظات الأخرى بين المتظاهرين والقوات الأمنية أدت إلى مقتل وإصابة عشرات العراقيين، مما دفع قيادة العمليات المشتركة العراقية إلى فرض حظر شامل للتجوال في جميع المحافظات. ترجع جذور هذه الأزمة التي أحدثت انسدادا في الحياة السياسية العراقية إلى العام 2019، عندما خرجت تظاهرات شعبية كبيرة في مناطق وسط وجنوب العراق، احتجاجا على استشراء البطالة في المجتمع وتفشي الفساد المالي والإداري في الدوائر والمؤسسات الحكومية وتردي الواقع المعيشي، مما دفع رئيس الحكومة السابقة عادل عبد المهدي إلى الاستقالة بضغط شعبي، ومن أجل احتواء الاحتجاجات والخروج من تلك الأزمة السياسية العاصفة أجريت انتخابات تشريعية مبكرة في العاشر من أكتوبر عام 2021. وتصدرت الكتلة الصدرية نتائج الانتخابات النهائية بالحصول على 73 مقعدا، بينما حصل تحالف "تقدم" على 37 مقعدا، وائتلاف "دولة القانون" على 33 مقعدا، وحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 31 مقعدا. وما أن تم إعلان النتائج الأولية للانتخابات حتى تعالت أصوات قوى وأطراف سياسية فاعلة برفضها لخسارتها العديد من المقاعد، مشيرة إلى حدوث عمليات تزوير خلال الاقتراع. ومنذ العاشر من أكتوبر 2021 أخفق أعضاء مجلس النواب العراقي عدة مرات في عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة، وذلك بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني (حضور ثلثي أعضاء البرلمان على الأقل) نتيجة مقاطعة عدة كتل برلمانية للجلسة، حيث يتطلب تشكيل الحكومة العراقية الجديدة انتخاب رئيس جديد للبلاد من قبل البرلمان، ليتولى الرئيس المنتخب تكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر عددا بتشكيل الحكومة خلال 30 يوما. وعلى أثر ذلك قررت الكتلة الصدرية في الخامس من فبراير الماضي مقاطعة جلسة لمجلس النواب العراقي (البرلمان) لانتخاب رئيس البلاد، معلنة تجميد مفاوضاتها السياسية لتشكيل الحكومة في العراق، مما عمق الخلافات بشأن تشكيل الحكومة. كما أخفق مجلس النواب في السابع من نفس الشهر، بعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، لعدم اكتمال النصاب القانوني، بسبب مقاطعة عدد من الكتل السياسية للجلسة، إذ لم يحضر الجلسة سوى 58 نائبا من أصل 329 هم أعضاء المجلس، بينما يتطلب النصاب حضور ثلثي عدد الأعضاء. وتنص المادة (72 ب) من الدستور العراقي على انتخاب رئيس جديد للبلاد خلال مدة أقصاها 30 يوما من انعقاد أول جلسة للبرلمان المنتخب، وقد انقضت هذه المدة بالفعل باعتبار أن البرلمان عقد أولى جلساته في التاسع من يناير الماضي. وللحيلولة دون حدوث فراغ رئاسي، قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في الثالث عشر من فبراير الماضي، استمرار برهم صالح في ممارسة مهامه كرئيس للبلاد إلى حين انتخاب رئيس جديد على الرغم من انتهاء ولايته بانتهاء دورة مجلس النواب.
وبمحاولة جديدة لحل الأزمة السياسية العالقة في البلاد ، دعا القاضي فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق في الرابع عشر من فبراير ، إلى تعديل الدستور العراقي الذي تم إقراره عام 2005، والذي يتضمن مواد تسببت أحكامها في تعثر تشكيل السلطات، لاسيما تلك التي تنص على اشتراط موافقة أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب على انتخاب رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أن مواد هذا الدستور صيغت في ظروف تختلف عن الظروف الراهنة التي يعيشها العراق. وفي الثالث والعشرين من مارس الماضي، أعلنت ثلاث كتل نيابية عراقية عن تشكيل تحالف جديد يحمل اسم /إنقاذ الوطن/، لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان بهدف الإسراع في انتخاب رئيس البلاد ورئيس مجلس الوزراء، حيث ضم التحالف الجديد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني والكتلة الصدرية وائتلاف السيادة بزعامة خميس الخنجر، وغداة تشكل التحالف الجديد، أعلنت قوى ما يسمى /الإطار التنسيقي/ وحلفاؤها من المستقلين عزمها مقاطعة جلسة انتخاب رئيس البلاد. وفي السادس والعشرين من مارس أجل مجلس النواب العراقي جلسة انتخاب رئيس البلاد بعد أن أخفق من جديد في عقد الجلسة، بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لمقاطعة عدة كتل برلمانية للجلسة، إذ لم يحضر سوى 202 نائب، بينما يتطلب انتخاب الرئيس حضور 220 نائبا من أصل 329 نائبا. كما أخفق للمرة الثالثة على التوالي في الثلاثين من مارس الماضي بعقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، لعدم اكتمال النصاب القانوني، وقررت رئاسة البرلمان تحويل الجلسة إلى اعتيادية. وفي هذا الإطار، أعلن أعضاء الكتلة الصدرية استقالتهم من مجلس النواب العراقي في منتصف يونيو الماضي، بعدما دعاهم زعيم التيار مقتدى الصدر إلى تقديم الاستقالة للمجلس، في ظل استمرار الجمود السياسي لتشكيل حكومة جديدة، حيث لوح الصدر قبل الاستقالة بالبقاء في المعارضة أو الانسحاب بشكل كامل من العملية السياسية ما لم تشكل حكومة أغلبية وطنية، وسط إخفاق الكتل السياسية في تشكيل حكومة عراقية جديدة. وزادت حدة الأزمة منذ أكثر من أسبوعين بخروج مسيرات واعتصامات عقب اقتحام أنصار التيار الصدري مبنى مجلس النواب العراقي والاعتصام به، احتجاجا على ترشيح محمد شياع السوداني لتولي منصب رئاسة الوزراء. وفي الثالث والعشرين من أغسطس الجاري، قرر مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية في العراق تعليق مهام أعمالهما في البلاد، إثر اعتصام أنصار التيار الصدري أمام مجلس القضاء الأعلى، وذلك قبل أن يقرر المجلس استئناف العمل بجميع المحاكم في اليوم التالي بعد انسحاب المتظاهرين وفك الحصار عن مبنى المجلس والمحكمة الاتحادية العليا. وكان العشرات من أنصار التيار الصدري توجهوا إلى مبنى مجلس القضاء الأعلى وشرعوا في نصب الخيام أمام المبنى، في تطور جديد للتصعيد طال السلطة القضائية بعد السلطة التشريعية، حيث طالب المتظاهرون بحل مجلس النواب العراقي. كما طلب مقتدى الصدر من السلطات القضائية في العاشر من شهر أغسطس الجاري، العمل على حل مجلس النواب العراقي، كما حث الرئيس العراقي برهم صالح على تحديد موعد لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في البلاد. فيما رد مجلس القضاء الأعلى في أكثر من مناسبة على مطالبات الصدر بأنه لا يملك الصلاحية لحل مجلس النواب، داعيا الجهات السياسية والإعلامية إلى عدم الزج بالسلطات القضائية في الخصومات والمنافسات السياسية. ولا تزال الخلافات المحتدمة بين القوى السياسية تسيطر على المشهد العراقي، في ظل تعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من مضي أكثر من 10 أشهر على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر عام 2021.