وزير الطاقة والصناعة السابق: متحور كورونا الجديد يتلاعب بأسعار النفط ويربك الحسابات
Al Sharq
قبل أيام قليلة لم يكن الحديث الدائر في أسواق النفط سوى عن توجه كبار المستهلكين الرئيسيين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت الأسبوع الماضي عن الإفراج
قبل أيام قليلة لم يكن الحديث الدائر في أسواق النفط سوى عن توجه كبار المستهلكين الرئيسيين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت الأسبوع الماضي عن الإفراج عن جزء من مخزوناتها الاستراتيجية من النفط في خطوة تهدف لخفض الأسعار التي ارتفعت نتيجة انتعاش الاقتصاد العالمي الذي تضرر بسبب جائحة كوفيد-19. لكن ذلك الحديث لم يطل كثيرا، بعد أن باغتت السلالة المتحورة الجديدة /أوميكرون/ من فيروس /كوفيد-19 /أسواق النفط، لتقود الأسعار بالاتجاه الذي كانت ترجوه الدول المستهلكة لتهبط الأسعار إلى أدنى مستوى لها خلال خمسة أشهر بعد عمليات الإغلاق الجديدة بسبب هذه السلالة. وتسود حاليا مخاوف حقيقية من تضخم في فائض العرض في السوق النفطية خلال الأشهر القليلة المقبلة إذا ما استمر تهديد السلالة الجديدة من كورونا، وأصر كبار المستهلكين وخاصة الولايات المتحدة والصين على السحب من المخزون الاستراتيجي لمواجهة الأسعار المرتفعة، كما قررت هذه الدول سلفا. ويقول سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الطاقة والصناعة السابق، رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالله بن حمد العطية الدولية للطاقة والتنمية المستدامة، إن أسواق النفط التي كانت تترقب قيام الولايات المتحدة وبعض الدول مثل الصين واليابان والهند باستخدام مخزوناتها الاستراتيجية من النفط بهدف خفض الأسعار، بوغتت بالمتحور الجديد لفيروس كورونا والذي عجل بتدني الأسعار. ويرى سعادة السيد العطية في حديث لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ ، أن ظهور سلالة /أوميكرون/ المتحورة من فيروس كوفيد-19 ربما تؤجل الخطوة التي كانت ستتخذها الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الأسعار قد انخفضت بالفعل.. مضيفا القول "المتغيرات سريعة في سوق النفط وأصبحت الأسعار خاضعة حاليا لمدى انتشار الفيروس وردود فعل الدول الصناعية الكبرى على وجه الخصوص". ويبدو أن شبح الإغلاقات وانهيار أسعار النفط في العام الماضي يهيمن على الأسواق، ولم ينس المتعاملون كيف تراجعت أسعار النفط الأمريكي إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في تاريخها خلال النصف الأول من العام 2020، حتى لجأت شركات النفط إلى الدفع للعملاء للحصول على نفطها خشية تراكم مخزون الخام لديها، وتفاديا لدفع أموال أكثر لتخزينه. ويتوقع سعادة السيد عبدالله العطية أن تشهد أسعار النفط مزيدا من الانخفاض بسبب تزايد المخاوف العالمية من السلالة المتحورة الجديدة، وقال "اذا عدنا للإغلاق التام مرة أخرى ستنخفض أسعار النفط بشكل كبير، فدول العالم تذهب في مثل هذه الأوضاع الى ردة فعل سريعة واذا زادت المخاوف من المتحور الجديد فستكون هناك إغلاقات تامة في العديد من البلدان ما يؤدي الى مزيد انخفاض أسعار النفط". وتبدو المؤشرات من أسواق النفط داعمة لهذه التوقعات، فبمجرد الإعلان عن إصابات بالمتحور الجديد في عدد من الدول، حتى هوى سعر خام برنت، (وهو المعيار الرئيسي لأسعار النفط)، في ساعات التداول في الأسواق الآسيوية، إلى أدنى مستوى يوم أمس الإثنين حيث بلغ 74.35 دولارا للبرميل، وهو مستوى لم يشهده منذ أواخر شهر مايو. ولعل هذا الهبوط الحاد في الأسعار سيغير من مسار المواجهة التي كانت مستعرة بين تحالف المنتجين المتمثل في أوبك- بلس وكبار المستهلكين الذين تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية المطالبين بمزيد من الإمدادات لكبح ارتفاع الأسعار. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن أمر الجمعة الماضية باستخدام 50 مليون برميل من مخزون الولايات المتحدة النفطي الاستراتيجي، في مسعى منسق مع دول أخرى للتخفيف من ارتفاع أسعار الوقود. وقال بيان للبيت الأبيض أن "إعلان الرئيس بايدن عن استخدام المخزون النفطي الاستراتيجي يأتي "كجزء من الجهود المستمرة لخفض الأسعار، ومعالجة نقص الإمدادات حول العالم". وتزامنا مع الإجراء الأمريكي، قالت الهند، في بيان حكومي، إنها ستفرج عن خمسة ملايين برميل من المخزون الاستراتيجي في إطار الخطوة المنسقة.. كما أعلنت الصين عن خطوة مماثلة. ويوضح سعادة السيد العطية أن الدول المشاركة مع الولايات المتحدة في قرار استخدام مخزونها من النفط ترى أن الدافع مرتبط بتراجع حجم المعروض من النفط في الأسواق وليس بسبب سعر البنزين كما هو الحال في الولايات المتحدة علاوة على ذلك فإنه من المستبعد أن ينجم عن التنسيق الحالي بين الولايات المتحدة وباقي الدول تحالف طويل الأمد. ويشير إلى أن هذه المرة الأولى التي تنسق فيها الولايات المتحدة الأمريكية في مثل هذه الخطوة مع كبار مستهلكي النفط في العالم، ردا على رفض تحالف /أوبك بلس/ زيادة الإمدادات لتهدئة الأسعار التي سجلت مستويات قياسية، وتمسك التحالف بخطة زيادة الإنتاج بوتيرة تدريجية تم إقرارها سابقا عبر الاستمرار في زيادة انتاج الخام اليومي بمقدار 400 ألف برميل يوميا. ويعتقد تحالف /أوبك بلس/ أنه لا يوجد حاليا نقص في المعروض من الخام، وأن اللجوء إلى استخدام المخزونات الاستراتيجية من قبل أكبر الدول المستوردة أمر غير مبرر بسبب الظروف الحالية التي تمر بها الأسواق، وهدد بإعادة النظر في خططه الرامية الى ضخ المزيد من النفط عندما يجتمع التحالف الأسبوع المقبل. ونقلت بعض وكالات الأنباء عن مصادر في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها أن هذه البلدان أرجأت اجتماعات فنية كي تتيح لنفسها مزيدا من الوقت لتقييم أثر انتشار سلالة كوفيد-19 الجديدة "أوميكرون" في الطلب على النفط وأسعاره. ويهدف اجتماع اللجنة الفنية التي ربما تلتئم يوم 2 ديسمبر المقبل إلى مناقشة السياسية الانتاجية لشهر يناير المقبل. وقد أشار بعض المختصين والخبراء في مجال النفط إلى أن المنظمة ربما توقف ضخ المزيد مؤقتا مع الإفراج عن مخزونات النفط والتداعيات المحتملة للطلب بعد عمليات الإغلاق الطارئة لاحتواء سلالة فيروس كورونا الجديدة. ويقول سعادة السيد عبدالله بن حمد العطية " في الوضع الراهن قد تتمسك /أوبك بلس/ بسياستها الحالية والإبقاء على جدولها المتفق عليه مسبقا لزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا كل شهر. وقد تغير سياستها لضمان استقرار الأسواق وتجنب انهيار الأسعار بسبب فائض المعروض. ويوضح ذلك قائلا " غالبا ما تتجه الأسعار إلى مزيد من التقلب خلال فترة التوترات السياسة بين المستهلكين والمنتجين ما يترك المجال مفتوحا أمام كل الاحتمالات". غير أن هناك من يرى أن ردة فعل أسواق النفط تجاه السلالة المتحورة من فيروس كورونا مبالغ فيها. وقد أكد ذلك السيد ألكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي الذي قال إن بلاده لا ترى ثمة ضرورة لاتخاذ إجراءات عاجلة بشأن سوق النفط بسبب السلالة الجديدة من فيروس كورنا مهونا من فرص أن تغير مجموعة أوبك+ سياسات الإنتاج هذا الأسبوع وفقا لما نقلته عنه بعض وكالات الأنباء. وعقدت المجموعة التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها اجتماعات عبر الإنترنت هذا الأسبوع لتحديد سياسة الإنتاج، وتترقب الأسواق حاليا الخطوة المقبلة لتحالف /أوبك بلس/ في ضوء التطورات الجديدة. ونقل المتحدث عن إلكسندر نوفاك قوله "على الرغم من كل ذلك سنبحث مع الدول الأعضاء في /أوبك بلس/ وضع السوق وما إذا كان يتعين اتخاذ أي إجراءات". وفي غمرة هذه المخاوف، شهدت أسعار النفط انتعاشة بسيطة يوم أمس/الاثنين/ مع بحث المستثمرين عن صفقات في أعقاب الركود الذي شهدته الأسواق يوم الجمعة وسط توقعات بأن أوبك+ قد توقف زيادة الإنتاج بسبب انتشار السلالة الجديدة للفيروس. ومهما يكن الأمر، تهوينا أم تهويلا من مخاطر المتحور الجديد، إلا أن اليقين الوحيد حاليا هو أن أصداء هذا المتحور قد ألقت بظلالها على الأسواق العالمية، الأمر الذي يتطلب تعاونا عالميا لمواجهة تحديات كورونا والحفاظ على استمرارية تعافي الاقتصاد العالمي، وتجاوز الحروب المستعرة بين المستهلكين والمنتجين.