محمد الجفيري لـ الشرق: الجنوح للخيال خلطتي السرية في 1972
Al Sharq
في روايته الأولى 1972 صدفة خير من ألف ميعاد الصادرة عن دار كتارا للنشر، يأخذ الكاتب محمد بن محمد الجفيري المتلقي إلى عوالم وأماكن واقعية عديدة، يظن القارئ للوهلة
في روايته الأولى "1972 صدفة خير من ألف ميعاد" الصادرة عن دار كتارا للنشر، يأخذ الكاتب محمد بن محمد الجفيري المتلقي إلى عوالم وأماكن واقعية عديدة، يظن القارئ للوهلة الأولى أن السارد لها يروي سيرته الذاتية، إلى أن يسارعه الكاتب بالقول إن "هذه القصة من وحي خيال الكاتب، ومن يجد غير ذلك.. فهو وخياله". وحينها يعود المتلقي أدراجه ليتساءل عن حقيقة تصنيف العمل، وما إذا كان الكاتب يمزج فيه بين سيرته الذاتية وبين جنوحه إلى الخيال، وما إذا كانت الأحداث والأماكن التي تتناولها الرواية حقيقية، أم أن الكاتب أراد من وراء ذكرها، إسقاط من وحي الخيال. من هنا، كان لقاء الشرق الكاتب محمد بن محمد الجفيري، للوقوف عند طبيعة ما يثار حول تساؤلات المتلقي لدى قراءته لهذا العمل، والذي يضاف إلى أعمال إبداعية أخرى، تنقل فيها الكاتب بين التاريخ والسيرة الذاتية، فضلاً عن الشعر. وبالإضافة لما سبق، يعرج الحوار على أبرز التحديات التي واجهت الجفيري في كتابته لأول عمل روائي، وأنسب التجارب الإبداعية إليه، بعدما خاض في عدة مجالات منها، إلى غير من ذلك محاور طرحت نفسها على مائدة الحوار التالي: * كيف نبعت فكرة روايتك "1972 صدفة خير من ألف ميعاد"، وما ترافق معها من سرد للأحداث والأماكن، واستعراض للشخصيات؟ ** دائمًا الأعمال أيًا كان نوعها تبدأ بفكرة صغيرة، ثم تتطور الفكرة لتصبح خطوطًا عريضة، وتتضح الرؤية مع تطور الفكرة. وأذكر أننا كنا مع مجموعة من الزملاء نناقش الروايات التي ضجت بها المكتبات أو دور السينما، وما تعرضه من أفلام يدور معظمها حول العنف والقتل، فالكتب معظمها يغلب عليها الطابع السياسي والاقتصادي والأكاديمي، وهى كتب ثقيلة على الفئة العمرية الشابة (المراهقين)، والذين يمثلون نصف المجتمع في كل دولة. وهذه الفئة العمرية لا تجد كُتابًا يخاطبون مشاعرهم ويلمسون عواطفهم في كتبهم، والتي تتناول عادة مجالات بعيدة عن اهتمامهم. ولذا كانت الفكرة في كتابة مقال حول هذه المسألة في إحدى الصحف المحلية، ولكن وجدت نفسي أتقمص دور الشباب المراهق وأبدأ في كتابة أسطر متتالية تطورت إلى رواية عاطفية. وعند البدء في كتابة الرواية أردت أن تكون أقرب إلى الواقع، منها إلى الخيال، حتى تكون أكثر مصداقية عند القارئ ويتفاعل معها ومع أحداثها، ولذلك تعمدت ذكر الدول والمدن والشوارع وأسماء الفنادق والأماكن وكلها معروفة وحقيقية وموجودة، وذكرت الحوادث السياسية وما صاحبها من معارك حربية دارت خلال فترة السبعينيات، فالرواية أعتبرها توثيق للزمان والمكانأ أما محتوى القصة، فالخيال هو سيد الميدان. العودة للوراء * يبدو في السرد الروائي، رصدًا لسياقات تاريخية، وأخرى ترتبط بسير ذاتية، فكيف تمكنت من المزج بينهما؟ ** تمكنت من خلال الرواية تتبع شيئًا من الأحداث السياسية والعسكرية التي عاشتها المنطقة خلال فترة السبعينيات، وتعمدت الكتابة والعودة للوراء لذلك الزمن البعيد من خلال قصة حب جمعت بالمصادفة بين أحمد ونورة. وكان طبيعيًا تناول الأحداث التي تعصف بالعالم العربي وعدم تجاوزها حتى يكون للسرد الروائي شيئاً من الواقعية التي عاشها الناس بكل انفعالاتهم لتلك الأحداث، وما يجري في العالم من حروب وانتهاكات وصراعات تمتزج بها حياة كل البشر، ولا يمكن الانفصال أو الابتعاد عنها. * وما هو التحدي الأبرز الذي واجهته عند كتابة أول عمل روائي لك؟ ** الإقدام والإحجام لكتابة أول عمل روائي أخذ مني قرابة الشهر، فكلما أخذتني الحماسة وأقدمت على الشروع والكتابة، أجدني فجأة أحجم عن مواصلة الكتابة، وأتوقف وأرمي بالقلم، وذلك خوفًا من التجربة الجديدة التي لا أعلم مدى تقبل القراء والنقاد لها. ولكون مساحة الإقدام عندي كبيرة، لذلك أقدمت على تجربة الكتابة، إذ هناك كتب وروايات تم نشرها، ولا أعتقد ما سوف أكتبه سيكون أسوأ منها. ومن هنا أقدمت على مواصلة كتابة أول عمل روائي، وأرجو أن يحظى الكتاب بالاستحسان لدى جمهور المتلقين. دنيا الخيال * هل يمكن تصنيف هذا العمل الروائي بأنه سرد للسيرة الذاتية بطريقة أدبية؟ ** سوف أكون صريحًا في الإجابة، وأقول إن كل عمل روائي فيه من الكاتب شيئًا من سيرته، وقد يكون عند البعض 100%، أو 20%، وأنا هنا في عملي الروائي" 1972 صدفة خير من ألف ميعاد"، لم أتجاوز هذه المساحة، والباقي معظمه من الخيال والإبداع وما يسطره القلم في تجواله في دنيا الخيال. وقد يكون لذكر الأماكن في الرواية والبلدان كمدن عربية وعالمية، سواء كانت الدوحة، أو القاهرة، أو الدمام، وما فيها من فنادق وشوارع وأسواق، ما يوحي للقارئ بأن القصة حقيقية وفيها سرد للسيرة، وهذا غير صحيح، ولذلك، ذكرت في بداية العمل "أن هذه الرواية هي من الخيال، ومن يجد غير ذلك، فهو خياله". كسر الجمود * في هذا السياق، ما هو الخيط الفاصل بين سرد الروائي للأحداث الواقعية، وبين جنوحه للخيال في العمل الأدبي؟ ** الخيال يضفي على واقعنا شيئًا من الجمال، ولابد للكاتب أن يأخذ من الخيال الكثير من البهارات ليضفيه على العمل الروائي ليكسر الجمود المرتبط به، وحتى يدغدغ ويلامس مشاعر الجمهور، ليبدو العمل الروائي مقبولًا ومستساغًا عند القراء فيتعايشون مع أحداث القصة، ويتتبعون تفاصيل أحداث أبطالها، لأنه بذكر أحداث الواقع فقط سيكون العمل باهتًا، وربما يكون غير جاذب، لذلك، فإن الجنوح إلى الخيال هو الخلطة السرية لكل عمل روائي، وكل منا يهرع إلى نهر الخيال ليروي به جفاف الواقع. * كتبت السيرة الذاتية، وقبلها الشعر، وحاليًا الرواية، فأيهم أقرب إليك؟ ** عندما كتبت الشعر، كانت هناك مشاعر وعواطف تتملكني، فنقلت هذه الأحاسيس من الصدر إلى السطر، وكانت حالة وقتية. أما السيرة الذاتية فمجالها محدود، ويمكن كتابتها مرة أو مرتين من زوايا مختلفة، وتتوقف بعدها، ولكن الرواية مجالها واسع، والقلم في رحابها له فضاء عامر بالحرية ليبدع وينتج عملًا مميزًا، يمكن ترجمته إلى أعمال سينمائية أو تلفزيونية، أو ترجمته للغات عالمية. وأرى أن مجال الرواية هو الأنسب بالنسبة لي. مواصفات الروائي * هل تعتقد أن الروائي لابد أن يتمتع بمواصفات أدبية تتجاوز غيره من كُتّاب الأعمال الإبداعية الأخرى؟ ** في اعتقادي الشخصي أن الروائي لابد له أن يتمتع بمميزات محددة حتى تكون أعماله مميزة، إذا ما أراد التفوق ولابد أن يكون مثقفًا، وقارئًا، لديه من الخبرات في حياته، بالإضافة إلى التجارب العملية ما يكفي لترجمتها في أعمال روائية. * هل ترى أن جنس الرواية أصبح يشهد إقبالًا من المتلقين بشكل يفوق غيره من الأجناس الأدبية الأخرى؟ ** لاشك في ذلك، إذ أن الرواية تعبر عن تجارب إنسانية في معظمها جرت أحداثها في واقع حياتنا اليومية. وطبيعي أن يجد كل شخص في الرواية ولو في جزء منها ما يشابه أو يطابق تجربة حياتية مر بها، فالرواية تتحدث في كثير منها عن كل شخص منا، ولو من زوايا مختلفة، ولذلك فإن جمهور الرواية يتجاوز عدده منتوجات الآداب الأخرى، لأن القارئ يجد شخوصه فيها. **كادر قصة الرواية تأتي الرواية الأولى للكاتب محمد بن محمد الجفيري، بعدما سبقتها أعمال أخرى في التاريخ على غرار كتابه "الخمسون: الأوائل الخمسون في التاريخ العربي والإسلامي"، والشعر، على نحو ديوانه "وهج الشوق"، وما تبعه من كتاب السيرة الذاتية، والذي عنونه بـ"صورة من الذاكرة"، ليأتي إصداره الجديد، ليشكل إضافة في مسيرة الرواية القطرية. وحرص الكاتب في روايته على الاستعانة بالعديد من الشخصيات، محققاً بذلك أحد مقومات العمل الروائي في تعدد الشخصيات، ما بين رئيسية، وأخرى ثانوية. وتركز الشخصيات الثانوية في بطلي الرواية، وهما أحمد ونورة، لتأتي شخصيات أخرى، تحمل صفة الشخصيات الثانوية، وهى "يوسف وعيسى وعلي"، وحرصاً من الكاتب على قيام كل هذه الشخصيات بلعب أدوار رئيسية في الرواية، فقد ربطهما جميعاً بشخصية البطل "أحمد"، ليضاف إليهم شخصيتي "جيهان، وخليفة"، وفي المقابل، ربط شخصية "سامية" بالبطلة "نورة"، ومع كل هذه الشخصيات الرئيسية جاءت شخصية أخرى مغايرة، وهى "راوية" بنت الجيران. وشهدت الرواية العديد من الأحداث والأماكن، التي كانت شاهدة على شخصيات الرواية، حيث دارت الأحداث وما شهدته من ذكريات في كل من: الدوحة والدمام والقاهرة ولندن، وسرد من خلال كل هذه المدن العديد من القصص والحكايات، التي استنطق أصحابها، واصفاً ببناء سردي محكم الأمكنة، وما شهدته شخصيات هذا العمل من ذكريات معها، تعامل معها الكاتب بأسلوب سردي رشيق، اعتمد فيه على سردية الحكي الروائي.