ليبيا قبلة لحراك أوروبي مكثف
Al Sharq
تشهد الساحة الليبية حركة دبلوماسية وسياسية مكثفة بعد أسابيع قليلة من منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية. واستقبلت العاصمة طرابلس، وفودا أوروبية في زيارات رسمية متتالية
تشهد الساحة الليبية حركة دبلوماسية وسياسية مكثفة بعد أسابيع قليلة من منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية. واستقبلت العاصمة طرابلس، وفودا أوروبية في زيارات رسمية متتالية في إطار دعم السلطة الليبية الجديدة، ومحاولة الحفاظ على حالة الاستقرار التي تعيشها البلاد منذ توليها الحكم، في 16 مارس الماضي. وتدعو هذه الوفود إلى ضرورة توحيد المؤسسات الليبية وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وإجراء الانتخابات المقبلة في موعدها المحدد، نهاية العام، وذلك في إطار خارطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة، وعلى ما يبدو فإن هذه الزيارات تأتي أيضا في إطار تحقيق أهداف أوروبية في ليبيا، البلد الذي عاش سنوات من الصراع المسلح، وذلك من خلال تسريع وفتح السفارات وعودة العلاقات الدبلوماسية، وبالتالي الحصول على نصيب من صفقات إعادة الإعمار، وضمان مصالحها من خلال تطوير العلاقات الاستراتيجية، نظرا إلى أن ليبيا تعد بوابة مهمة بالنسبة للقارة الأوروبية. وخلال زيارته إلى العاصمة طرابلس، الأسبوع الماضي، أعاد كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس الوزراء اليوناني، فتح سفارة بلاده في ليبيا في محاولة لرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في ليبيا وفتح المجال الجوي بين البلدين، داعيا إلى بداية جديدة في العلاقات التي توترت بسبب اتفاق الحدود البحرية عام 2019. وتهدف زيارة ميتسوتاكيس إلى ليبيا لإعادة العلاقات الدبلوماسية بعد 7 سنوات من غلق السفارة بسبب الصراع الليبي. وقبيل زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى ليبيا، أعربت أثينا عن دعمها للحكومة الجديدة في جهودها لقيادة البلاد نحو انتخابات شاملة وذات مصداقية، وبالتالي إلى التعامل السياسي وإعادة الإعمار وتعزيز التعاون الثنائي في جميع القطاعات، ولاسيما في مجالات الطاقة والبناء والأمن، مع فتح آفاق كبيرة في العلاقات الاقتصادية والتجارية. تطمينات مهمة بالتزامن مع لقاء رئيس الوزراء اليوناني بمحمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي، شهدت طرابلس، لقاء جمع ماريو دراغي رئيس الوزراء الإيطالي برئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وبحث الجانبان ملفات إعادة الإعمار والتبادل التجاري والهجرة غير النظامية والعلاقات المشتركة وتعزيز التمثيل الدبلوماسي. وتحصل دراغي على الكثير من "التطمينات المهمة" بخصوص إعادة الإعمار في ليبيا، خلال لقائه مع نظيره الليبي، حسب ما صرح به في مؤتمر صحفي عقب مباحثاته مع الدبيبة. وقال، "تكلمنا عن تعاوننا في مجال المشروعات، وبصفة خاصة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والصحة والثقافة"، غير أن الأرقام الرسمية الدقيقة عن قيمة المشاريع إعادة الإعمار المطلوبة لمعالجة الدمار الذي خلفه الصراع الليبي، غير متوفرة، لكن رئيس غرفة التجارة والصناعة الليبية محمد الرعيض، قدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار، وفقا للأناضول. ومن جهته، أعلن الدبيبة، عن توقعاته بشأن زيادة التعاون الإيطالي والشراكة في مجال الطاقة والكهرباء، وقد سبق أن ضمت معاهدة الصداقة مباحثات مهمة مع شركة إيني الإيطالية للطاقة وبنودا مهمة في ذلك. وفي 2008، وقعت ليبيا وإيطاليا معاهدة صداقة وشراكة وتعاون من النواحي السياسية الاقتصادية ومجالات أخرى، تشمل استثمارات إيطالية بقيمة 5 مليارات دولار لمدة 25 سنة من تاريخ التوقيع. وتطرقت المباحثات إلى إعادة فتح الأجواء الإيطالية أمام الطيران الليبي وإعادة الرحلات بين البلدين وتفعيل الاتفاقية الجمركية وتسهيل إجراءات التأشيرة بالنسبة لليبيين وخاصة الطلبة ورجال الأعمال والمرضى. دعم مشروط وضمن سلسلة الزيارات المتتالية لمسؤولين من الاتحاد الأوروبي، استقبلت طرابلس، الأحد الماضي، شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي، في إطار زيارة مفاجئة لم يعلن عنها مسبقاً، التقى خلالها برئيسي الحكومة عبد الحميد دبيبة والمجلس الرئاسي محمد المنفي، ونجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الليبية، وتعهد ميشيل خلال لقائه المسؤولين الليبيين، بـأن الاتحاد الأوروبي، سيدعم السلطة الجديدة حتى تخرج البلاد من ازمتها وفقا لشروط. وقال، "نريد أن ندعمكم لتقوموا ببناء بلدكم لكن بشروط، يجب أن يغادر كل المرتزقة والجنود الأجانب البلاد". وشدد على ضرورة إجراء الانتخابات في وقتها المحدد، لافتا إلى أن الاتحاد يدعم ليبيا بشكل أكبر لتحقيق هذا الهدف، مشيرا إلى أن الاستقرار والأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية ملفات مهمة في العلاقة بين طرابلس وبروكسل خلال الفترة المقبلة، ونقل إلى الحكومة الليبية الجديدة، رغبة الاتحاد تطوير العلاقات والتعاون المشترك إلى مستوى العلاقة الاستراتيجية التي تحفظ مصالح الطرفين، كما صرح بأن سفير الاتحاد الأوروبي سيباشر عمله في طرابلس خلال أسابيع قليلة. في الأثناء أشار ميشيل إلى أن الاتحاد سيسلم ليبيا 50 ألف جرعة من اللقاح المضاد لكورونا في إطار دعم المنظومة الصحية الليبية. في المقابل، أكدت نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الليبية، التزام بلادها بالعمل على الملفات التي حددها الاتحاد الأوروبي، مقابل تعهداته بدعمها للنجاح في كل الاستحقاقات المنوطة بها. وطمأنت المنقوش، بروكسل والمجتمع الدولي بشأن الهجرة غير الشرعية، مشيرة إلى أن ليبيا قامت مؤخرا بالكثير من الجهود لتطوير استراتيجيتها الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، وعززت تعاونها مع الاتحاد الأوروبي ودوله بشكل منفرد. وأكدت أن الحكومة تسعى إلى تحقيق الاستقرار وتهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات المقبلة في وقتها المحدد، وذلك بتقديم الدعم للمفوضية العليا للانتخابات، لافتة إلى أن ليبيا في حاجة إلى لجهود الاتحاد الأوروبي لدعم الإجراءات الفنية اللوجستية للمفوضية. وشددت على رغبة الحكومة تجاه مغادرة المرتزقة فوراً ودون شروط. زيارة مشتركة وبعد أقل من أسبوعين على تشكيل الحكومة الليبية الموحدة لإدارة المرحلة الانتقالية، وصولا إلى الانتخابات العامة المقررة في نهاية العام الحالي، وصل طرابلس وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا في زيارة مشتركة إلى ليبيا. وأكدوا خلال مؤتمر مشترك، ضرورة إخراج المرتزقة نهائيا من البلاد للعودة للاستقرار، وشددوا على دعم الاتحاد الأوروبي للانتقال السلس للسلطة في ليبيا، وضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر. بينما وصل روبرت أبيلا رئيس الوزراء المالطي، بعد مرور اكثر من أسبوع على زيارة وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا، لإجراء محادثات رفيعة المستوى حول الهجرة والأمن في المنطقة. الكعكة الليبية صرح عادل ياسين رئيس مجلس العلاقات الدولية الليبية، لـ"العين الإخبارية"، بأن الحكومات الأوروبية تتصارع على ليبيا، وتسابق كل منها الزمن لإعادة فتح سفاراتها وقنصلياتها في طرابلس، وتقدم كل الدعم للحكومة الليبية، لضمان مصالحها لا أكثر وتهدف للحصول على نصيب من الكعكة. كما أكد إبراهيم الزغيد البرلماني الليبي، أن الوفود الأوروبية، تهدف إلى تحسين العلاقات بعد تشكيل الحكومة الوطنية، متوقعا أن تحذو دول إقليمية وغربية حذو الدول الأوروبية، للمحافظة على مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، ولمحاولة الحصول على نصيبهم من الكعكة الليبية، وفقا للمصدر نفسه. ومن جانبه، أوضح محمود زاقوب المحلل السياسي الليبي، لـ"العين الإخبارية"، أن التحركات الدبلوماسية التي تشهدها ليبيا من كل حدب وصوب يمكن قراءتها من عدة مستويات، أولها اقتناع المؤسسات الدولية بأن الأزمة الليبية دخلت مرحلة جديدة وهي المرحلة النهائية للصراع المسلح، نظرا لأن الأطراف الدولية سئمت التصعيد المستمر للأزمة، لما يمثله موقع ليبيا من أهمية استراتيجية لتلك الدول، التي تعتبر بوابتها الخلفية، وثانيا أن تلك الدول تسعى للوقوف بحزم ضد إحداث أي تغيير في الخريطة الجيوسياسية في المنطقة، وهو ما أكدته وفودها بضرورة إخراج كل القوات الأجنبية من البلاد، وأكد أن ليبيا تمثل لتلك الدول كنزا اقتصاديا، فضلا عن مشروع إعادة الأعمار الذي سترصد له المليارات وتتسابق كل الأطراف لأن تكون لها الأولية فيه. تعافي ليبيا من جهتها أشارت وكالة الأنباء الليبية، إلى أن هذه الزيارات المتتالية تعكس الأهمية الكبيرة للدولة الليبية ودورها في الأمن والاستقرار العالمي وأهميتها في برامج التعاون والتنمية خاصة في محيطها العربي والإقليمي والمتوسطي والأفريقي. وأوضحت الوكالة، أن هذا الاهتمام العالمي الذي يظهر واضحا وجليا في توالى زيارات الوزراء والرؤساء الأجانب وخاصة الأوروبيين منهم واتصالهم المباشر بالمسؤولين في الحكومة، يعطى دليلا لليبيين وللمجتمع الدولي على تعافي ليبيا واتجاهها إلى الطريق الصحيح للمستقبل، وهو ما يصبو إليه الليبيون من رغبة في طي صفحة الماضي والتطلع إلى المستقبل بكل أمل ونجاعة. وأكدت أن هذا المشهد الإيجابي يوفر الأجواء الدافعة لكل من يعمل على نبذ العنف والكراهية وإعادة الاستقرار وبناء الدولة الموحدة الحديثة، وفي مقدمتهم المجلس الرئاسي لتحقيق المصالحة الوطنية بين الليبيين، السبيل الوحيد للحفاظ على وحدة ليبيا واستقلالها وسيادتها واستقرارها ورفاهية ورخاء شعبها. تسير التحركات الدبلوماسية في ليبيا في تحرك متناسق، لبناء العلاقات الاستراتيجية الليبية - الأوروبية من جديد بعد سنوات من الفتور والفوضى التي سببتها الحرب .More Related News