
قصة وفاء حقيقية
Al Arab
في أوائل التسعينات الميلادية، في يومِ السبتِ، وبعد صلاةِ العصرِ، حانت لحظةُ رَّحِيلِي عن أهلي، وابتعادي عن وطني، فقد كان ذلك اليوم هو آخر يومٍ لي فـي أحضانِ الأمِّ
في أوائل التسعينات الميلادية، في يومِ السبتِ، وبعد صلاةِ العصرِ، حانت لحظةُ رَّحِيلِي عن أهلي، وابتعادي عن وطني، فقد كان ذلك اليوم هو آخر يومٍ لي فـي أحضانِ الأمِّ الرؤوم، ورِعَايـةِ الأبِ الحانِي، في ذلك اليوم كان للدموعِ مَوعدٌ، وللعَبراتِ صَوتٌ، وللعِناقِ حُضُورٌ، وللآهاتِ صدى. في داخلِ أسوارِ المنزل حان وداعي لرُفقاءِ عُمرِي، وشُركاءِ ذكرياتِي... فها هو أبي وبجواره إخْوانِي قد تغيرَتْ أحوالُهُمْ، وتبدَّلتْ مواقِفُهُم، يودعونني وعَبَرَاتُهُم تفْضَحُ تمَاسُكَهُم. أمَّا وداعِي لأُمِّي فأستميحُكُم عُذراً، فلا قُدْرَةَ لحُروفِي، ولا طاقةَ لكلماتِي أن تَصِفَ ذلكم المشهدَ العظيم، والموقفَ المَهِيب! لكنَّنِي أتذكر أنَّهَا كانت ترمُقَنِي بعَينِينِ، اختلطَ فيهمَا بَرِيقُ الدُّمُوعِ بغاشيةِ الحُزنِ. ولمَّا تحرَّكتْ السيارةُ، كانت اللَّحظَة الأَصْعَب - لحظة فِراقِ الأهلِ والأحبَّة - فالتفتُّ أُلقي النظرةَ الأخيرةَ على أفراد مُجتمَعِي الصغيرِ الطَّاهرِ النَّقِي، ولسانُ حالِي يُردِّد: ما الموتُ إلا فِرَاقُ الأهـلِ والوطَنِ يا ليتنِي لم أكُنْ والبِيـنُ لم يكُنِ سَعداً لِمَنْ عاشَ بينَ الأهلِ في وطَنٍ فراحةُ القَلبِ في الدُّنيا بِلا ثَمَنِMore Related News