في ذكرى 11 سبتمبر.. هل يتنفس المسلمون في أمريكا الصعداء؟
Al Sharq
أحيت الولايات المتحدة أمس الذكرى ال20 لهجمات 11 سبتمبر 2001، بالتزامن مع إنهائها أطول حرب في تاريخها، بدأتها في أفغانستان بدعوى محاربة الإرهاب، حيث قُتل فيها عشرات
أحيت الولايات المتحدة أمس الذكرى ال20 لهجمات 11 سبتمبر 2001، بالتزامن مع إنهائها أطول حرب في تاريخها، بدأتها في أفغانستان بدعوى محاربة الإرهاب، حيث قُتل فيها عشرات الآلاف من الأفغان وأنفقت فيها نحو تريليوني دولار، في الوقت الذي أعادت فيه حركة طالبان تنظيم صفوفها لتعود الى السلطة بعد عقدين من الصراع الدامي، عقب سيطرتها على العاصمة كابول وهروب الرئيس أشرف غني. وأزاحت واشنطن طالبان من الحكم سابقا لرفضها تسليمها أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، الذي تمت الإطاحة به في 7 أكتوبر 2011. لكن الأثر الأكبر لتلك الاعتداءات هي أنها غيرت منذ 20 عاما، حياة المسلمين الأمريكيين بصفة خاصة والمسلمين في كل مكان بصفة عامة، حيث باتوا أكثر عرضة لجرائم الكراهية بسبب ما أسمته واشنطن "الإرهاب الإسلامي." وانتظمت صباح أمس المراسم الرسمية لإحياء الذكرى ال20 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، والتي دأبت الولايات المتحدة على إطلاقها طيلة عقدين كاملين، لكن ذكرى هذا العام اختلفت عن السنوات السابقة، حيث أحيت واشنطن هذه الذكرى لأول مرة وهي ليست في حالة حرب. وبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارة كل موقع من مواقع تحطم الطائرات المخطوفة في 2001، لتأبين ضحايا الهجوم المدمر، وحضر مراسم في المكان الذي كان به برجا مركز التجارة العالمي بنيويورك قبل أن تصطدم طائرتان بالمبنيين مما أدى إلى انهيارهما. ووقف بايدن والرئيسان السابقان بيل كلينتون وباراك أوباما وحشد من المسؤولين والمواطنين، 6 دقائق صمت متقطعة، بالتزامن مع توقيت وقوع الهجمات قبل 20 عاما. ولقي نحو 3000 شخص حتفهم في الهجمات في نيويورك وفي مبنى البنتاغون وفي بنسلفانيا، حيث تحطمت الرحلة 93 التابعة لشركة "يونايتد إيرلاينز" في حقل بعد تغلب الركاب على الخاطفين ومنعهم من الاصطدام بهدف آخر، ثم انتقل الرئيس الامريكي، إلى شانكسفيل في بنسلفانيا ليعود إلى زيارة وزارة الدفاع بواشنطن، الذي كان مستهدفا أيضا بطائرة، مما تسبب بمقتل 125 موظفا في الوزارة، إضافة إلى 164 قتيلا من ركاب الطائرة. ولم يلق بايدن كلمة في هذه المناسبة، لكنه نشر مقطعا مصورا، أول أمس، بالبيت الأبيض، قدم فيه تعازيه لأسر الضحايا وسلط الضوء على الوحدة الوطنية بين الأمريكيين، و قال: "بالنسبة إلي فإن الدرس المركزي لذكرى 11 سبتمبر هو أنه عندما نكون الأكثر عرضة للخطر، فإن الوحدة هي أعظم قوة لدينا". وأشار الى أن "القوى المظلمة في الطبيعة البشرية، الخوف والغضب والاستياء والعنف ضد الأمريكيين المسلمين، وهم أتباع مخلصون لدين مسالم.. تلك القوى أثرت على الوحدة الأمريكية لكن لم تكسرها". وتابع بايدن "الوحدة لا تعني أن علينا جميعا أن نؤمن بالشيء نفسه، لكن من الضروري أن نحترم بعضنا بعضا، وأن نثق في بعضنا البعض". * الوحدة الأمريكية وخلال السنوات ال20 التي تلت الهجمات الإرهابية المروعة في الولايات المتحدة، شهدت حياة ملايين المسلمين الأميركيين تغييرا واضحا انعكس سلبا على الوحدة الأمريكية من خلال انتشار جرائم الكراهية بين الأمريكيين لتصل حد الاعتداءات الجسدية الوحشية وإحراق عدة مساجد، لكن الرؤساء الأمريكيين اتخذوا مواقف مختلفة تماما حول كيفية رؤيتهم للمسلمين الأمريكيين، فبعد أيام معدودة من الهجمات، عكست زيارة الرئيس جورج بوش الى مسجد واشنطن الكبير والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة، سعيه لوقف انتشار الكراهية بين الأمريكيين بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والعرقية، حيث ألقى خطابا من داخل المسجد بعد أن تحدث مع زعماء الجالية المسلمة، منددا بما تعرضوا له من اعتداءات. وقال بوش إن "عدو أميركا ليسوا أصدقاءنا المسلمين، وليسوا أصدقاءنا العرب، عدونا هو شبكة متطرفة من الإرهابيين وكل حكومة تدعمهم". كما دافع الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، أيضا عن حقوق المسلمين، حيث أشار الى أن "هجمات 11 سبتمبر، و"الجهود المستمرة التي يبذلها هؤلاء المتطرفون للانخراط في أعمال عنف ضد المدنيين، دفعت البعض داخل أميركا للنظر إلى الإسلام على أنه عقيدة معادية، ليس فقط لأميركا والبلدان الغربية، ولكن أيضا لحقوق الإنسان. كل هذا ولَّد المزيد من الخوف والمزيد من عدم الثقة بين الطرفين". * معاداة الإسلام وعلى عكس ذلك تبنى الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، خطابا عنصريا معاديا للإسلام، وشكك في مناسبات عدة في مسلمي أمريكا، ودعا إلى حظر تام وكامل لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. واعتبر مجلس العلاقات الأمريكية- الإسلامية "كير"، أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في عهد ترامب الأشد منذ هجمات 11 سبتمبر. ويذكر أن مجلس "كير" قام بجمع بيانات عن جرائم كراهية وحوادث تتعلق بالإسلاموفوبيا، وأعلن في عام 2017 أنه تم تسجيل ألف و656 واقعة "تحيز" ضد المسلمين و195 جريمة كراهية، وتشير هذه الأرقام الى زيادة بنسبة 9% في وقائع التحيز ضد المسلمين، و20% زيادة في جرائم الكراهية مقارنة بعام 2016. لكن وصول الرئيس جو بايدن لسدة الحكم، أنهى قرارات ترامب بحظر دخول المسلمين الأراضي الأمريكية، ويرى بايدن أن المسلمين الأمريكيين جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الأميركي. * عام استثنائي وفي السياق، قالت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، إن عام 2021 يُعد عاما استثنائيا لمسلمي أمريكا، فبعد 20 عاما على الهجمات، لم يعد غريبا أن تجد مسلمين أميركيين في مناصب لم يتخيلها أكثر المتفائلين قبل عقدين من الزمان. وعددت "نيوزويك" بعض مظاهر صعود المسلمين في السلم الاجتماعي والسياسي الأمريكي هذا العام، بداية من تصويت أغلبية مجلس الشيوخ لتعيين زاهد قريشي كأول قاضٍ مسلم في محكمة فدرالية، وكذلك التصويت بأغلبية كبيرة لتعيين السيدة لينا خان مديرة للجنة التجارة الفدرالية، وصولا لنجاح مرشحين مسلمين في الفوز بانتخابات مختلفة في المجالس التشريعية في 5 ولايات. وبعيدا عن الشأن السياسي، لفتت المجلة إلى اختيار فريق "نيويورك جيتس" المدرب روبرت صالح ليصبح أول مسلم يشرف على فريق في دوري كرة القدم الأمريكية للمحترفين، ورُشح المسلم ريز أحمد بطل فيلم "ساوند أوف ميتل" لجائزة الأوسكار لأحسن ممثل. وشهدت انتخابات 2020 فوز النائبتين عن الحزب الديمقراطي إلهان عمر ورشيدة طليب بمقعدهما لفترة ثانية بمجلس النواب، على الرغم من جهود الرئيس السابق دونالد ترامب لدعم منافسيهم الجمهوريين. كما فاز المرشح المسلم أندريه كارسن بمقعد في مجلس النواب عن ولاية إنديانا ليصبح للمسلمين 3 ممثلين داخل الكونغرس للمرة الأولى في التاريخ الأميركي. بينما أظهر استطلاع حديث قام به مركز نورك ووكالة الأسوشيتد برس، لأبحاث الشؤون العامة قبل ذكرى 11 سبتمبر أن 53% من الأمريكيين لديهم اليوم آراء غير إيجابية تجاه الإسلام، مقابل 42٪ لديهم آراء معاكسة. * الإرهاب الإسلامي ومن جهتها، كتبت الصحفية مينا العريبي كاتبة عمود بفورين بوليسي، ورئيسة تحرير صحيفة "ذا ناشونال" تحت عنوان "علاقة أميركا بالعالم العربي والإسلامي لن تعود كما كانت"، حيث ذكرت أن هجمات 11 سبتمبر غيّرت إلى الأبد علاقة الولايات المتحدة مع العالم العربي والإسلامي، ووضعت حدودا لها طيلة العقدين الماضيين. وكان ذلك التغير في العلاقات قائما على أمن الطاقة، والمصالح المشتركة، والحفاظ على التفوق العسكري لإسرائيل، وجعلها معنية إلى حد كبير بمكافحة "الإرهاب الإسلامي". وفي النصف الثاني من القرن العشرين، كان التحالف الذي أقامته الولايات المتحدة مع أغلب الدول العربية والإسلامية مبنيا على ما إذا كانت تلك البلدان واقعة تحت النفوذ الأمريكي أو السوفياتي، لكن بعد 11 سبتمبر أصبحت السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي قائمة على مبدأ "الإدانة حتى تثبت البراءة"، رغم أن معظم تلك الدول عانت من وطأة الإرهاب أكثر من الولايات المتحدة. وأشارت الكاتبة إلى أن شكوك أمريكا "الظالمة في كثير من الأحيان" إزاء العرب والمسلمين فاقمت التوترات مع الشعوب في أرجاء المعمورة، وأضافت أن غزوها أفغانستان والعراق لم يحقق النتائج المرجوة. أما إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما فقد ركزت على الانسحاب من العراق، وسرعان ما عادت لتولي اهتمامها من جديد بأفغانستان إثر ظهور تنظيم داعش على الساحة. وفي حين نحى الرئيس السابق دونالد ترامب عبارة "الحرب على الإرهاب" جانبا، فإنه والرئيس الحالي جو بايدن لم يطرحا بديلا للتصدي للإرهاب سوى توجيه ضربات بطائرات مسيرة ضد أهداف محددة. ولا يبدو أن واشنطن تعلمت من أخطاء العقدين الماضيين -حسب مينا العريبي- التي ترى أن خطر الجماعات "المتطرفة" ما يزال قائما، زاعمة أنه رغم تغير قيادة تلك الجماعات فإن مبادئها لم تتغير.More Related News