فلسطينية تتحدّى ظروفها الاقتصادية بصنع الهدايا
Al Sharq
على طاولة صغيرة وضعت الفلسطينية عبير مهداوي -22 عاما- أشغالها اليدوية من إكسسوارات وهدايا وبلورات وغيرها ثم انطلقَت لجامعتِها وعقلُها سارح فيما ستصنعه حين عودتها.
على طاولة صغيرة وضعت الفلسطينية عبير مهداوي -22 عاما- أشغالها اليدوية من إكسسوارات وهدايا وبلورات وغيرها ثم انطلقَت لجامعتِها وعقلُها سارح فيما ستصنعه حين عودتها. مضى اليومُ بطيئا مُملا حتى النهاية، فعادت عبيرُ ابنة الـ "22 عاما" مسرعة لتجد أشغالَها قد اختفت، أين ذهبت السلاسل؟ من لعب بأغراضي؟ حجارة السيراميك أين هي؟ يا الله! كانت إجابة الجميع "مش عارفة"، "ما رفعتش إشي".. هل زارنا عفريت إذن اليوم فخطف أشيائي؟ تساءلت بغضب. تبتسم عبير وتروي لـ الشرق: "مشاجرةٌ لم تكن الأولى ولا الأخيرة دارت بيني وبين أخواتي وأخي الصغير الذين يُشاركونني الغرفةَ الصغيرةَ للغاية، فأنا أنزعج للغاية ممن قد يلمس أغراضي، والوضع الاقتصادي الذي نعيشه لم يكن ليسمح لنا بالتوسع، لكن المشاجرة انتهت بسلام والحمد لله". تخرّجت ابنة ضاحية "الشويكة" في محافظة طولكرم من الثانوية العامة بمعدل 97.6%، والذي أهّلها للحصول على منحة دراسية، وحول هذا تقول:" دخلت قسم الهندسة في جامعة خضوري، إلّا أنّ معدلي التراكمي الجامعي هبط إلى 85% للأسف فكان سببا في حرماني من المنحة الدراسية". وتضيف: "تملكني الحزن ولم يكن بوسعي أن أفعل شيئا، فأمُّي لا تملك المال، وكذلك أبي الذي يعمل مزارعا، ليس هذا فحسب فهو لا يكترث لأمر الجامعة ولا يعد دراستها أمرا مهما أو ضروريا". استسلمت والدةُ عبير للواقع وقامت ببيع إسورة عزيزة على قلبها والتي كانت قد خبأتها لظروف الزمن القاسية وقد آن أوانها. تعلق عبير: "باعتها من أجل دفع رسومي للفصل الدراسي الجديد، وكم أنبني ضميري لذلك الحل ورحت أفكر ليل نهار عما بوسعي أن أفعل كي أعوض والدتي". سرعان ما وقع اختيارُها على صنع الهدايا والاكسسوار وأشياء يدوية أخرى كثيرة تواكب الموضة واهتمامات الصبايا تحديدا، تبتسم وتروي: "لقد وقع اختياري على عمل أنا لست صاحبة هواية به، ولا أعلم عن هذه الأشغال شيئا، لكنه مهم جدا للصبايا ويجذبهنّ، لقد كنت مغامرةً بمعنى الكلمة". استدانت عبير مبلغا قدره 1270 شيكلا "قرابة 500 دولار" من عدة أشخاص لتشتري كل ما يخصّ هذا العمل، بعد أن رأت إعلانا ممولا ذا علاقة بما تفكّر، فكان مبلغا هو في حياة عائلتِها المستورة كبيرٌ جدا، فيما ردّه لم يكن مضمونا أبدا. أما التفكير الذي كان يدفعها لذلك هو قناعتها بأن الإنسان ما لم يجرب فإنه لن يفعل أبدا، فقررت أن تجرب، لكنها في نفس الوقت كانت تخطو وهي على يقين بأن الله سيوفقها. تعلق: "لولا اليقين لما حققتٌ شيئا". تعلمت عبير صناعة السلاسل والهدايا والمرايا و"المقّات" وكل ما يخص الأعراس والسيراميك.. أتلفت كثيرا من الأشياء وهي تُجرب وتعيد وتكرر، في تجارب عديدة أصابها إحباطٌ شديد لعدم إتقانها ما تحاول صنعه، لكنها لم تكن تملّ الإعادة، إنها لا تقبل الفشل، لقد تحدّت نفسَها مرارا إلى أن تمكّنت وأتقنت، ويا لفرحتها حينئذٍ " لقد أعددتُ جلسة تصوير طويلة لأعمالي، ملّت مني فيها الكاميرا وأنا لم أملّ". بدأت تعرض أعمالها على صفحتها الشخصية "فيسبوك"، حتى إذا ما ازداد الطلب راحت تسوقها على مستوى أوسع، ظلت الصبايا يطلبن منها أن تصنع لهن أشكالا وأنواعا مختلفة من الهدايا وفي كل مرة تبدع أكثر. توضح "صرت أعمل وأوفر المال، سددّت دينَي مع الناس وأهديت أمّي أسورة جديدة وأسعدت قلبَها، وصرفت على نفسِي في الجامعة، ثم على أختيّ الاثنتين الجامعيتين أيضا واللتين تصغرانني، كذلك فاجأتهما وأهديتهما كل ما كنت أتمنّى أن يُهدَى لي ولم أتمكن من تحقيقه". فبالرغم من ضيق الحال في حياتِها إلا أن كثيرا من التفكير والتجريب وعدم الاستسلام أخرج عبيرَ من وضعها الاقتصادي الصعب وكان سببا في نقلة نوعية واستقرار نفسي تعيشه اليوم. تختم بحديثها لـ الشرق: "إذا استسلم الإنسان للظروف فإنه سيحيا بلا روح، ولن يحقق شيئا في حياته، سيبقى محطما يندب حظّه على وضعه وحاله، ولا أنكر أنني كثيرا ما شعرت باليأس، وهذا أمر ليس غريبا، المهم أنني كنت بعزيمتي وأملي في التخلص من الظرف الذي أعيشه أنتشل نفسي وأكمل المحاولة".More Related News