فلاحون غاضبون: جذور هيمنة الريف على المدينة في المشرق العربي
Al Jazeera
كيف أدى النظام الزراعي قبل الاستعمار، وظهور الاستعمار الغربي، إلى ترسيخ نظام اجتماعي في المشرق العربي عاجز عن التحوُّل إلى الاقتصاد الحر، وإلى نشأة أنظمة استبدادية هشة وعنيفة في الوقت نفسه؟
في عالم مختلف نسبيا عن العالم الذي كتب فيه "برهان غليون" و"نزيه الأيوبي" أشهر كتبهما، كتب "عصام الخفاجي" سِفره الأساسي "ولادات متعسرة.. العبور إلى الحداثة في المشرق العربي". كانت المقولة الاستشراقية عن الاستثناء العربي قد فقدت جاذبيتها، كما تقوَّضت أغلب مقولاتها العنصرية والثقافوية، وحل محلها تفسيرات لاتجاهات أخرى في التحليل التاريخي الاقتصادي والاجتماعي، أبرزها مدرسة التبعية، وهي بتعبير الخفاجي ترد على الاستشراق والتحليلات الثقافية العنصرية بإزاحة مسؤولية التخلف عن كواهلنا، وتحميله للاستعمار "الذي أبقانا مصدِّرين للمواد الأولية ولم يسمح بتوسيع الأسواق المحلية ونشوء اقتصادات صناعية"؛ ما عطَّل العبور من وضع المستعمَرات المصدِّرة للتبغ والقطن والمواد الأولية إلى وضع البلدان الصناعية الديمقراطية والمتقدمة.
شرع الخفاجي في تأليف كتابه مطلع الألفية الجديدة تقريبا، لكن رحلة الكتاب نفسها امتدت عقدين منذ نشأت فكرة الكتاب في صدر الخفاجي وعقله، وهي فترة قضاها في استيعاب جميع الأطروحات التي حاولت تحليل أزمة المشرق، وعلى رأسها نظريات التخلف والتنمية، إلا أن ذلك لم يمنعه من القول صراحة إن تلك النظريات غدت عتيقة، مثلها مثل النظريات الأقدم منها عن الاستثناء العربي. وفي المقابل، حاول الكاتب اقتراح أفق آخر للتفكير بجرأة نقدية إزاء الإنتاج الفكري السياسي والنظري حول التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعات العالم الثالث، وبالتحديد الشرق الأوسط: مصر والشام والعراق وإيران وتركيا. إلى أي حد إذن استطاع الخفاجي طرح وجهة نظر مغايرة عمَّا هو سائد في قراءة التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية للشرق؟ وما جذور أزمة المشرق العربي التي أبحر فيها الرجل على مدار عشرين عاما؟