![طفولة ضائعة وسط أكوام النفايات في إدلب](https://al-sharq.com/get/maximage/20211202_1638477756-346.jpg)
طفولة ضائعة وسط أكوام النفايات في إدلب
Al Sharq
بثيابه البالية ووجهه العابس يتوجه الطفل السوري جابر (12عاماً) إلى مكب القمامة القريب من مخيم النازحين الذي يسكن فيه مع والدته، حاملاً كيساً على ظهره، باحثاً عما
بثيابه البالية ووجهه العابس يتوجه الطفل السوري جابر (12عاماً) إلى مكب القمامة القريب من مخيم النازحين الذي يسكن فيه مع والدته، حاملاً كيساً على ظهره، باحثاً عما يمكن بيعه من خردة، ثم يعود في المساء بعد يوم حافل بالمشقة والتعب بدولار واحد أو اثنين لا تغني من جوع أو مرض. ويجمع جابر مخلفات البلاستيك والألمنيوم والعلب الفارغة وبقايا أدوات مكسورة أو مرمية، لبيعها والاستفادة من ثمنها في تأمين بعض النفقات لوالدته وأخويه اللذين يصغرانه سناً. وجابر واحد من مئات الأطفال الذين تغص بهم شوارع محافظة إدلب، تخلوا عن حقهم في التعليم، ليتحملوا أعباء ومسؤوليات أكبر من أعمارهم وقدراتهم، فرضتها الظروف المعيشية الصعبة وخلفتها سنين الحرب القاسية. هؤلاء الاطفال، لم يعرفوا من الطفولة سوى التعب والشقاء وعلب مرمية وسط أكوام القمامة، بعد أن انعدمت أمامهم الخيارات ليبحثوا طوال اليوم عن أي شيء يصلح للبيع، لمساعدة أسرهم على تحمل مرارة الحياة ونفقات العيش اليومي.
يتحدث جابر لـ»الشرق» وهو ينبش أكياس القمامة بسيخ حديدي ملتوي الرأس: «أبدأ العمل قبل بزوغ الشمس برفقة أطفال آخرين، ونتسابق على التقاط ما يمكن بيعه.» ويضيف بصوت يخنقه الحزن: «الفقر يعيق رغبتي بمتابعة تعليمي، فقد أصبحت مضطراً للعمل بعد مقتل والدي في معتقلات النظام منذ سنتين، وعلي أن أؤمن ما يساعدنا على العيش إلى جانب سلة الإغاثية الشهرية التي تصلنا من منظمة إنسانية.» ويلفت الطفل أنه يبيع ما يجمعه من ألمنيوم وبلاستيك وحديد وكرتون لأشخاص يتجولون عبر سياراتهم في المنطقة، ويأخذونها بدورهم لتجار ومعامل خاصة لإعادة تدويرها من جديد. والدة جابر تأسف لحال ولدها الذي تخلى عن دراسته، تحت وطأة النزوح والفقر والحاجة، ما جعلها تقبل مرغمة بإرسال ولدها لهذا العمل، وعن ذلك تقول: «اعتقل زوجي منذ عام 2018 من قبل نظام الأسد، وبعد عام من الاعتقال علمنا بموته في السجون، واكتملت المأساة بنزوحنا من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات أطمة الحدودية مع تركيا.» مشيرة إلى أن الفقر دفعها للبحث عن فرصة عمل تؤمن عيش أطفالها الثلاثة دون جدوى، فاضطرت لإرسال ولدها الأكبر إلى مكبات القمامة لتحصيل مادة الخبز وبعض الاحتياجات. ويكون الأطفال عرضة للأمراض والإصابات جراء الروائح الكريهة وانتشار القوارض والحشرات والكلاب، إلى جانب ما تحويه أكوام النفايات من زجاج مكسور ومخلفات طبية وأدوات حادة. الطفلة مريم (10 عاماً) نازحة من ريف إدلب الجنوبي إلى مخيم عشوائي في مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، تعيش في خيمة صغيرة مع أسرتها المكونة من سبعة أفراد، ترافق أخاها إلى مكبات النفايات للعمل والإنفاق على المنزل بعد تعرض والدها لإصابة حرب في ظهره أقعدته عن العمل، لكنها تعرضت لجروح في يدها نتيجة لمس مشرط كان بين كومة النفايات لم تلحظ وجوده، ما أدى لإصابة بليغة في يدها اليمنى منعتها من العمل مجدداً، تقول مريم لـ»الشرق»: « أتمنى أن أعود إلى منزلي وتنتهي رحلة النزوح والشقاء التي فرضت علينا نفقات ومصاريف إضافية، إلى جانب حلمي في العودة لإكمال تعليمي الذي تركته منذ نزوحنا بسبب الفقر من جهة، وعدم وجود مدرسة ضمن المخيم من جهة أخرى.» وكان ثلاثة أطفال فقدوا حياتهم العام الماضي جراء سقوط كميات كبيرة من القمامة عليهم أثناء جمعهم مخلفات البلاستيك في مكب للنفايات على أطراف مدينة معرة مصرين شمال مدينة إدلب. المرشدة الاجتماعية نور الدغيم (33 عاماً) من مدينة إدلب، تتحدث عن مخاطر العمل على الأطفال نفسياً وجسدياً قائلة: «ضيق الحال وصعوبة المعيشة ومحدودية المدخول دفعت الكثير من الأطفال للعمل بنبش القمامة لمساعدة أسرهم في كسب لقمة العيش، رغم مخاطر تعرضهم للأمراض التنفسية والمعوية ولدغات الحشرات والبعوض.» مؤكدة أن العمل قد يؤثر أيضاً على طباع الطفل ويجعله عدوانياً يميل إلى العنف ضد المجتمع؛ نتيجة الإحساس بالقهر الاجتماعي. وتدعو الدغيم المنظمات الإنسانية والجهات المعنية لتقييم أحوال المحتاجين، ومساعدة الأطفال الأيتام وتجنيبهم مخاطر العمل في القمامة التي تتسبب لهم بأضرار صحية وجسدية، وتوجيه الدعم اللازم لهذه الفئة بما يساعدهم على استعادة حقهم بالعيش الكريم والاستغناء عن العمل والتوجه للدراسة.»