ضمن موسم الندوات.. لغويون يؤكدون أن اللهجات المحلية لا تشكل خطورة على الفصحى بل مكملة لها
Al Sharq
أكد عدد من الأكاديميين واللغويين وجود علاقة تكامل بين اللغة الفصحى واللهجات المحلية في الأقطار العربية وأن اللهجات لا تشكل خطورة على العربية المحفوظة بفضل ارتباطها
أكد عدد من الأكاديميين واللغويين وجود علاقة تكامل بين اللغة الفصحى واللهجات المحلية في الأقطار العربية وأن اللهجات لا تشكل خطورة على العربية المحفوظة بفضل ارتباطها بالقرآن الكريم. جاء ذلك خلال ندوة /هل اللهجات المحلية مكملة للفصحى؟/ التي أقيمت اليوم بجامعة قطر ضمن فعاليات /موسم الندوات/ الذي تنظمه وزارة الثقافة، بالشراكة مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات. وشارك في الندوة كل من الدكتور محمد خالد الرهاوي الأستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم بجامعة قطر، والدكتور إلياس عطا الله أستاذ اللسانيات والمعجمية العربية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، والدكتور عز الدين البوشيخي المدير التنفيذي لمعجم الدوحة التاريخي، والدكتور أحمد حاجي صفر أستاذ اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم جامعة قطر. وتحت عنوان /الفصحى واللهجات العامية تكاملٌ أم تصادمٌ/، جاءت مداخلة الدكتور محمد خالد الرهاوي التي أشار فيها إلى أن الازدواجية اللغوية بين لغة أدبية ولهجات متعددة لها هي واقع لغوي عام في كل اللغات وعلى مدار الأزمنة، وأن هذه الازدواجية قد وجدت في أرقى عصور الفصاحة والبيان العربي، ومن ذلك أن القرآن الكريم وهو آية البيان المعجز قد نزل بلغة موحدة وبقراءات متعددة تتوافق ولهجات العرب. وأضاف أن اللهجات المحلية العربية امتلكت من القوة والخصائص ما مكنها من البقاء والاستمرار حية على ألسن الناس منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هذا، وعاشت إلى جانب الفصحى خلال هذه القرون الممتدة، ولم تشكل خطرا عليها ولا تهديدا لها، بل ظلتا متعايشتين متناغمتين متكاملتين، موضحا أن العربية قبل الإسلام كانت لهجات متعددة لقبائل كثيرة. ورأى أن اللهجات منذ القديم إلى يومنا هذا تؤدي دورا وظيفيا مهما لا يمكن أن تؤديه الفصحى المثالية، كما لا يمكن للهجات أن تؤدي ما تؤديه الفصحى، ويتبين لنا التكامل بينهما، لافتا إلى أن العلاقة بين الفصحى واللهجات من حيث الأصل هي علاقة العام بالخاصّ، فاللهجة جزء من اللغة التي تضم لهجات كثيرة لكل واحدة منها خصائصها وميزاتها، مؤكدا أن لكل من الفصحى واللهجات مقاما تستعمل فيه ووظيفة تؤديها، ولا تؤدي إحداهما ما تؤديه الأخرى، وهما بهذا يتكاملان وظيفيا، مقدما العديد من الأدلة على ذلك، أهمها أن القرآن قد نزل بلغة مثالية موحدة، وبقراءات متعددة تشتمل على لهجات كثيرة من لهجات العرب، فكان نزوله على سبعة أحرف تحقيقا لمقصد مهم في التيسير على هذه الأمة، وهو توكيدٌ لأهمية تلك اللهجات إلى جانب الفصحى. كما أن اللهجات تلعب دور الوسيط بين الفصحى واللغات الأجنبية التي ينتج أهلها بها التقنيات والتكنولوجيا، بالإضافة إلى أن الفصحى تمثل الثقافة الرسمية والأدب الرفيع، وأن اللهجات تمثل الثقافة الشعبية والأدب الشعبي والشفاهي، وكل منهما له حسنه وجماله. وخلص الرهاوي إلى أن اللهجات المحلية لا تشكل خطورة على الفصحى ما دامت باقية في مجالها اليومي العادي وفي التواصل الشفوي اليومي بين أبناء المجتمعات المحلية، ولا تقتحم مقامات الفصحى، وأن للهجات الحالية أصولها في لهجات القبائل العربية القديمة، وإن كانت هناك بعض المستجدات بفعل العامل الزمني وما تعرضت له البلاد العربية. وفي مداخلته قال د. إلياس عطا الله إن اللهجات العامية هي لغة الأم، واللغة الفصحى هي لغة الأمة، مؤكدا أن العامية لا تشكل تهديدًا للفصحى، بل إن أهل اللغة هم من يشكلون تهديدا، وأن الفصحى ليست مأزومة بسبب العامية "بل بسببنا نحن، لأننا من نحل واحدة محل الأخرى، ونحن نعلم أن لكل منهما وظيفته ومكانته، ومن هذا المنطلق لا أرى تهديدًا من العامية للفصحى، بل إن الأولى حامية وسادنة للأخيرة، فما لا نجده في الفصحى نجده حيا في العامية"، معرجًا على أبرز الفوارق بين الفصحى والعاميات، وفي مقدمة هذه الفوارق الإعراب، إذ تخلو العامية من علامات الإعراب ولا تتقيد بالبنى الصرفية.
وخلال مداخلته في ندوة /هل اللهجات المحلية مكملة للفصحى؟/ أكد الدكتور عز الدين البوشيخي أن اللغة العربية ليست بمعزل عن اللهجات العامية والتي تكون في ثلاثة مستويات الأول عندما تكون تلك اللغة أداة للتواصل فحسب والثاني عندما تصبح معبرة عن جماعة معينة ثقافيا وأدبيا، والمستوى الثالث حين تصبح تلك اللغة لغة علم تكتب بها العلوم، مشيرا إلى أن اللغة العربية واحدة من اللغات الـ23 في العالم التي أصبحت لغة يكتب بها العلم. وأضاف أن اللهجات المحلية بها نعرف العالم ونصوره ونصنفه ونرتبه ثم تتدرج معرفتنا لهذا العالم للتعبير عنه إلى مستوى الثقافة الأدبية والشعرية، منوها بأن انتقال الفصحى إلى مستوى التواصل اليومي يجعلها لغة وسيطة ثم تصبح لغة علم إذا استطاعت أن تعبر عن العلوم، وأن اللهجات المحلية هي الأسبق في الاستعمال. وذكر البوشيخي أن اللغات العالمية لا تثير إشكالات مثل علاقة اللهجات العامية مع الفصحى في هذه اللغات وأن هذا الإشكال يثار لدينا فقط لسببين الأول أن ثمة موقفا غير علمي يريد أن يجعل العربية الفصحى معزولة عن اللهجات العامية والآخر هو اتساع الهوة بين الفصحى والعامية يوما بعد يوم، مؤكدا على أن وحدة اللغة في وحدة لسانها ووحدة فكرها وهذا ما نرغب الاستثمار فيه. ومن جهته، أكد أحمد حاجي صفر على أن موضوع الفصحى وضرورة الحفاظ عليها، يمتد فيه الحديث عبر خطابين أحدهما عاطفي والآخر عقلي، موضحا أن الأول مفاده أن اللغة أساس كل قيمنا وهي مبلغ الهوية وبفقدانها أو تأثرها تنهار الأمة، وتلك الوجهة صحيحة لكنها تحتاج للعمل على إنهاء المشكلة عبر منهج وآلية دون الانخراط في التعبير عن الأمر بصورة وجدانية دون تحرك فعلي للحفاظ على اللغة العربية، مشيرا إلى أن الخطاب الآخر العقلي وينظر إلى تلك القضية من وجهة نظر علمية يمكن معها طرح عدة حلول تتوافق مع الأمر الواقع. وأوضح صفر أن الخطاب العاطفي تحركه ثلاثة أسباب: ديني لارتباط اللغة العربية بالدين، والثاني وطني قومي، والثالث اجتماعي، مؤكدا أن هذه المنطلقات مشروعة ويجب أن يتم الانطلاق منها نحو حلول عملية كما أنه يجب أن يتم الحديث عن الأمر بعقلانية، ذلك لأن توصيف الواقع الذي نحياه يتمثل في وجود تعايش بين الفصحى والعامية لكن مع ذلك يجب إدراك بعض الأمور وأهمها أن العامية سريعة النمو والتطور بمعنى انتقالها من طور إلى آخر، فهي تختلف وتشهد دخول مصطلحات وتراكيب جديدة من جيل لآخر وهو ما يجعلها غير جديرة بأن تكون لغة للأدب أو العلم، وهو الأمر الذي تستطيع أن تحققه الفصحى باعتبارها أكثر رصانة وكونها لا تتحرك بسرعة مفرطة مثل العامية. وأضاف أن تغليب العامية في التعليم والإعلام والفن ينال بلا شك من الفصحى، منوها بأنه يجب ألا تكون الفصحى لسان النخبة المثقفة فقط بل يجب أن يدرك قيمتها وأهميتها كل المتحدثين بها، مشيدا في هذا الشأن بالقانون الذي أقرته دولة قطر رقم (7) لسنة 2019 بشأن حماية اللغة العربية. وشهدت الندوة عددا من المداخلات أثرت النقاش حول موضوع الندوة، حيث دارت المداخلات حول آليات حماية اللغة العربية محذرين من استهداف اللغة العربية وأنه ينبغي الارتقاء بالعربية في التعليم ووسائل الإعلام وأنه إن كانت اللهجات جزءا من الفصحى فإنه لا ينبغي الإفراط في استخدام ألفاظ لا تمت للعربية بصلة، ما يؤدي إلى اتساع الهوة بيننا في مختلف الأقطار العربية. ويشهد موسم الندوات غدا /الإثنين/ ندوة بعنوان /هل تراجعت اللغة العربية في مجتمعاتنا؟/ وتقام في كلية القانون بجامعة قطر. ويهدف موسم الندوات إلى إثراء النقاش والحوار، حول العديد من القضايا الثقافية والفكرية والفنية عبر إقامة ثماني ندوات على مدى أسبوعين، بهدف نشر ثقافة التنوع ومنح نخب المجتمع من المفكرين والمثقفين والخريجين فرص تعزيز البيئة الفكرية، إذ تسعى وزارة الثقافة من خلال هذا الموسم إلى تأسيس بيئة فكرية تعزز دور الثقافة والمثقفين في خدمة المجتمع. وقد انطلق موسم الندوات يوم الخميس الماضي بندوة أقيمت تحت عنوان /الهويات إنسانية أم محلية؟ الثقافة وتعدد الهويات في الخليج.