رمضان في قطر .. نفحات إيمانية وتقاليد موروثة
Al Sharq
يعتبر شهر رمضان الفضيل في دولة قطر عنوانا للترابط والتضامن بين القطريين حيث تسود أجواء المحبة والمودة والتسامح والتقارب بين الجميع. ويتعاهد القطريون شهر رمضان كمناسبة
يعتبر شهر رمضان الفضيل في دولة قطر عنوانا للترابط والتضامن بين القطريين حيث تسود أجواء المحبة والمودة والتسامح والتقارب بين الجميع. ويتعاهد القطريون شهر رمضان كمناسبة دينية واجتماعية لإحياء العادات والتقاليد الشعبية الراسخة والتي تمثل الهوية القطرية.
ومن أهم العادات والتقاليد التي يحرص القطريون على إحيائهافي هذا الشهر المبارك التقارب الاجتماعي بين الأهل والجيران، حيث تقوم الأسر بتوزيع الطعام، فلا يمكن أن تصنع أسرة طعاما دون أن تعطي جيرانها منه على سبيل التواد والترابط بغض النظر عن مسمى هذه العادة التي انتشرت في أكثر من بلد وبمسميات مختلفة. ولمعرفة اكثر عن هذه العادة الطيبة قالت الباحثة مريم العلي خبير ثقافي بوزارة الثقافة،في تصريح لوكالة الانباء القطرية / قنا/ إن عادة تبادل الطعام من أهم سمات شهر رمضان المبارك في الدولة ، وهي عادة خليجية قديمة تعرف بأسماء مختلفة تدور فحواها حول انتقاص جزء من الطعام أو استقطاعه للأهل أو الجيران تعبيرا عن المحبة والمودة، مشيرة إلى أن الناس في الفرجان اي / الاحياء/قديما كانوا يتقاسمون الطعام، وتعطي كل جارة جارتها من طعامها سواء في شهر رمضان أو غيره لكن تزداد هذه الخصلة مع الشهر الفضيل ، الذي يتميز بأكلاته الشعبية الخاصة مثل الثريد والهريس وغيرهما . وأضافت العلي أن سفرة /مائدة/ الأسرة الواحدة كانت تحتوي على عدد من الأطباق نتيجة التبادل والتهادي، حتى وإن كانت ربة المنزل قامت بطهي نفس الصنف فلا ترفض طبق جارتها، بل ترده في يوم آخر وبه بعضا من طعامها وهكذا، موضحة أن هذه العادة لم تكن تختص بالفقراء بل للجميع تعبيرا عن تكافل وتكاتف أهل قطر. وحول وجود هذه الظاهرة حاليا في المجتمع اوضحت الباحثة العلي،ان هذه العادات الطيبة تتواجد اليوم ، ولكن أخذت بعدا آخر ربما يكون فيه شيء من الإسراف والبذخ، حتى وصل الأمر لإعداد صناديق هدايا فاخرة خاصة برمضان بدلا عن الطبق ذي الوجبة البسيطة، وهناك من يرسل (صينية) ذات الأطباق المزخرفة والفاخرة متنوعة الأطعمة ، لكن هناك أحيانا من المبالغة التي نقلت التهادي وتبادل الطعام إلى الهدايا المختلفة من عطور وبخور وحلويات وقطع ثياب أحيانا وقطع ذهب أحيانا أخرى، مؤكدة أن هذه الظاهرة على الرغم من فقدانها الشكل التقليدي فإن أثرها الاجتماعي مازال قائما، فهي تشيع المحبة والتراحم بين الأهل وتزيد من الترابط المجتمعي. كما يتفق السيد خليفة السيد الباحث في التراث القطري في تصريح مماثل لـ/قنا/ مع الباحثة العلي في أن أهم ما يميز المجتمع القطري في شهر رمضان هو الترابط والتكافل الاجتماعي، مشيرا إلى ان هناك ترابطا على كافة المستويات، فهناك تهادي للأطباق وتوزيع للطعام على الأهل والجيران، خاصة الأكلات الشعبية مثل الهريس والساقو والخبيص والثريد، مبينا أن هذه العادة أخذت طابعا جديدا بدلا من أن كانت توزيع طبق او صنف من الطعام أصبحت حاليا تشمل قائمة من المأكولات ففي الماضي كان توضع في /الصحن/ باللهجة القطرية او الخليجية اي الطبق باللغة العربية أو (الملة ) وهو الوعاء او الاناء الذي يوزع فيه الطعام في حين استبدلت بأوان حديثة. وأوضح الباحث السيد أن التهادي للطعام لم يكن في شهر رمضان فقط بل كان مرتبطا بمختلف المناسبات الاجتماعية، ويزيد في الشهر الفضيل ، مؤكدا أن كل هذه الأشياء على بساطتها ساعدت في زيادة اللحمة والترابط بين المجتمع القطري، مطالبا بأن تستمر مثل هذه العادات التي ترتبط بفضائل الإسلام من إطعام الطعام والتهادي وغير ذلك ولكن في الوقت ذاته مع البعد عن الإسراف والتبذير.
ومن جانبها قالت الباحثة سلمى النعيمي مستشار ثقافي بالمؤسسة العامة للحي الثقافي /كتارا/،:" أن أهل قطر يرتبطون بالعادات والتقاليد الشعبية أكثر ما يكون في شهر الصوم الذي يكون فرصة للتقارب المجتمعي والتآلف، وما زال المجتمع القطري محافظا على الترابط الأسري، فالمتزوجون حديثا ويعيشون مع الأسرة في منزل واحد ينضمون للأسرة الكبيرة على المائدة في الشهر الكريم، فضلا الارتباط بالعائلة والأهل والجيران جميعا والتي تتمثل في الزيارات والمجالس القطرية و/الغبقات/ ". والغبقات او /الغبقة / وهي مفردة تستخدم في اللهجة القطرية معناها دعوة الأقارب أو الأصدقاء لتناول وجبة العشاء الرمضاني المتأخر والذي يسبق السحور، وتمثل (الغبقة) جانباً متأصلاً لمتانة العلاقات الاجتماعية والكرم والحفاوة بالضيوف، كما تمثل فرصةً للأهل والأصدقاء للالتقاء وتبادل الأحاديث الودية على المائدة، التي تتكون عادة من نوع معين من الطعام قديما، قبل أن يتطور مفهومها حالياً عند البعض وصارت تقام في الفنادق أو المطاعم الكبرى. وأشارت النعيمي إلى أن العادات القطرية تبدأ قبل دخول الشهر بوقت كاف فالمرأة القطرية تعد /خبز الرقاق/ والذي يصنع منه الثريد، ولذا هناك اهتمام خاص به بدءا من اختيار نوعية الدقيق الفاخر ، الذي يتم تخزينه بشكل جيد حتى بداية شهر رمضان، مشيرة إلى أن العادات القطرية ارتبطت كذلك بأطعمة معينة في هذا الشهر مثل الهريس والثريد، والساقو واللقيمات، والمحلبية وشوربة شعير القمح، وغيرها فهي طبخات ارتبطت بشهر رمضان في الغالب . وأضافت أن الاستعداد لهذا الشهر يشمل اختيار التوابل والبهارات الخاصة، فلكل طبخة توابلها، فالصالونة اي / المرقة / او /الحساء / تختلف عن اللحم عن /مجبوس/ السمك اي الكبسة ، كما تجدد ربة المنزل الأواني المنزلية مع بداية رمضان خاصة الأواني التي تحتفظ بالحرارة، وتختار الأجمل في التصميم. ومضت تقول أن هناك عادات جديدة وهي حميدة دخلت على المجتمع القطري حديثا، مثل الزينة الخاصة بشهر رمضان، فتتزين البيوت والشوارع بالإضاءات، والفوانيس وغيرها. اما الدكتورة فاطمة على الكبيسي رئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة قطر فقد اكدت في تصريح مماثل لـ /قنا/ أهمية استثمار روح شهر رمضان المبارك في تعزيز الروابط بين المجتمع من خلال الزيارات العائلية والاحتفالات التراثية مثل القرنقعوه المرتبط بمنتصف الشهر، موضحة ان الناس قديما كانوا يجتمعون فيه على ختمة القرآن، بعيدا عن الإسراف والتبذير. وأضافت الكبيسي ان شهر رمضان يتميز بعلو الروح الإيمانية فهو فرصة لتدريب النفس البشرية لتكون أكثر تسامحا وتراحما، كما أنه فرصة لإزالة الخلافات والمشاحنات، منوهة بأن المجتمع القطري يتميز بكونه متنوع الثقافات وأن هذه الروح والتقارب المجتمعي في رمضان يجعل المقيمين من غير المسلمين يشعرون بترابط المجتمع الإسلامي من خلال هذه الأجواء فنعطي صورة حقيقة عن ثقافتنا وعاداتنا المرتبطة بديننا الإسلامي الحنيف.