رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة...خطوة غير راشدة أم بداية طي صفحة جائحة كورونا
Al Sharq
خطوة ستدير لها الأعناق، وستتجه لها بوصلة أصحاب القرار في البنوك المركزية العالمية، وستثار حولها الكثير من نقاط الاستفهام خاصة على مستوى توقيت اتخاذها والمتزامن
خطوة ستدير لها الأعناق، وستتجه لها بوصلة أصحاب القرار في البنوك المركزية العالمية، وستثار حولها الكثير من نقاط الاستفهام خاصة على مستوى توقيت اتخاذها والمتزامن مع حرب تدور رحاها بين روسيا و أوكرانيا التي ستزيد من لهيب الأسعار خاصة تلك السلع التي تسمى بالأساسية.. هو دون شك قرار رفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي والذي تنتظره مختلف الأسواق لتحديد سياستها في المدى القريب والمتوسط من جهة ووضع حد لإجراءات التحفيز الاقتصادي التي اتخذتها خلال جائحة كورونا وترتبت عليها مستويات قياسية لنسب التضخم من جهة ثانية.. فكيف ستتفاعل الأسواق مع هذا التوجه؟ وهل سيكون توقيتها مناسبا في ظل المتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم في الوقت الراهن ؟ أم أنها خطوة غير راشدة على حد وصف بعض الاقتصاديين؟ في هذا السياق أكد الدكتور خالد العبد القادر أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن الفيدرالي الأمريكي لن يصبر على ارتفاع الأسعار طويلا، وما إقدامه على التخفيض التدريجي للإجراءات التحفيزية إلا دليل على تهيئته للمناخ لرفع سعر الفائدة. وقال العبد القادر إن قرار رفع سعر الفائدة الأمريكية يعتمد على جملة من العوامل المرتبطة بالدرجة الأولى بأداء الاقتصاد الأمريكي، مشيرا إلى أن نسبة التضخم القياسية التي وصل إليها الاقتصاد الأمريكي وتجاوزها هي نسبة 7% والارتدادات الحاصلة التي استفاق عليها عقب أزمة كورونا، خاصة من حيث الطلب الذي مر بأزمة الإغلاقات الكلية والجزئية وما صاحبها من تحفيز للطلب من خلال ضخ مبالغ تجاوزت 2 ترليون دولار، تستدعي معالجة هذه الوضعيات التي صاحبها ارتفاع كبير في مستوى الأسعار الذي تأثر أيضا بارتفاع تكاليف سلاسل الشحن والنقل وارتفاع أسعار الطاقة نتيجة ارتفاع الطلب مما أثّر على أسعار المنتج النهائي ونتج عنه ارتفاع في الأسعار. وحول العناصر التي ستؤدي إلى رفع سعر الفائدة أوضح العبد القادر، أن كل هذه العوامل تدفع نحو زيادة أسعار الفائدة بالرغم من حالة التريث التي تميز بها صاحب القرار في الفيدرالي الأمريكي في الوقت الراهن، نتيجة عدم وصول مؤشر البطالة إلى المستويات المطلوبة والتي تدور عادة حول نسبة 2 - 5%، بالإضافة إلى المخاوف من زيادة ارتفاع الأسعار مع احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا وما سيصاحبها من انخفاض في قيمة الأصول وتوجه المستثمرين إلى ملاذات أكثر أمنا مثل الذهب والمعادن النفيسة. وأوضح أن الفيدرالي الأمريكي سيتخذ القرار بعد قيامه بحساباته الدقيقة وسيرفع سعر الفائدة وإن بنسب طفيفة وبشكل متتابع في مراحل لاحقة. ورجح أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، أن يرفع مصرف قطر المركزي سعر الفائدة، تماشيا مع رفع الفيدرالي الأمريكي نسبة الفائدة، بالنظر إلى ارتباط الريال القطري بالدولار الأمريكي، مشيرا إلى أن هذا الرفع لن يكون له تأثير على الاقتصاد القطري باعتباره رفعا هامشيا، سيترتب عليه إمكانية رفع سعر الإقراض. وقال إن الإيرادات الكبيرة التي ستضخ في الاقتصاد القطري نتيجة ارتفاع أسعار البترول وارتفاع أسعار الغاز في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى تدفق العوائد السياحية نتيجة تنظيم فعاليات بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 ستنعكس إيجابا على الحركة الاقتصادية والتجارية والاستثمارات وبالتالي سيكون هناك تنافس بين البنوك لتقديم عروض جيدة لقطاع الأعمال. بدوره، ذهب الباحث الاقتصادي الدكتور هاشم البوهاشم السيد في تصرح لوكالة الأنباء القطرية "قنا" إلى نفس الطرح بخصوص توقيت رفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي والذي يتزامن مع التطورات الجارية بين روسيا وأوكرانيا، حيث من المنتظر أن تتسبب هذه الخطوة في مزيد من ارتفاع الأسعار، واصفا إياها بالخطوة غير الرشيدة. ولفت السيد إلى أن معالجة ارتفاع الأسعار تتم عبر اتباع سياسة نقدية من خلال سن تشريعات وقوانين تساهم في تطبيق سياسات نقدية أكثر صرامة وتدعم المصانع وسلاسل الإمداد والنقل والمواصلات التي تشهد ارتفاعات قياسية في أسعارها. وقال إن معالجة التضخم يمكن أن تكون من خلال التعاطي مع الطلب وتوفير الإنتاج وضخ المزيد من السلع في الأسواق لتحقيق التوازن وكبح جماح ارتفاع الأسعار. وحول تأثير قرار رفع سعر الفائدة على الأموال الساخنة وإمكانية خروجها من الدول النامية واتجاهها إلى أسواق أخرى، أوضح السيد أن نسبة الأموال الساخنة أو المشبوهة معروفة وتقدر بنحو 5%، ولن تتأثر بمثل هذه القرارات خاصة وأنها تبحث عن البيئات الاقتصادية غير المستقرة والاقتصاديات الفاسدة. في سياق متصل أشار الدكتور عمر الغرايبة الأستاذ المشارك في إدارة المخاطر الاستثمارية بجامعة آل البيت الأردنية في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إلى أن رفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي بمقدار 25 إلى 50 نقطة أساس سيدفع كلا من المتداولين والمستثمرين إلى بيع استثماراتهم من الأسهم والسندات في الأسواق العالمية للاستثمار في الدولار الأمريكي عن طريق شرائه أو إيداع أموالهم في البنوك الأمريكية، مما يؤدي إلى تدفق رؤوس الأموال "الأموال الساخنة" عبر الدول نحو الدولار الأمريكي للاستفادة من ارتفاع سعر الفائدة أو ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي والذي يساوي الآن 96.65 مقابل سلة من العملات. وبالمقابل، سينعكس هذا بشكل سلبي ومباشر على أداء الأسواق المالية ومؤشراتها بالانخفاض أو زيادة تقلبها خلال الفترة القادمة، ويمكن أن يؤثر ذلك بشكل سلبي على أسواق الأسهم الأمريكية نفسها بالانخفاض نتيجة التوجه لبيع هذه الأسهم، كما أن زيادة أسعار الفائدة على الدولار يمكن أن تنعكس بشكل سلبي على نسب النمو في أمريكا، وخاصة بعد انخفاض نسب النمو إلى ما دون 6% في بداية عام 2022 نتيجة زيادة المخاطر الجيوسياسية وخاصة تلك التي تحدث حاليا بين روسيا وأوكرانيا. وقال إن مدى رفع سعر الفائدة يعتمد على مدى تعافي السوق وقدرته على النمو، فكلما كان النمو أفضل في الولايات المتحدة كانت السرعة وحجم رفع سعر الفائدة أكبر في الفترات القادمة، والهدف من هذه الزيادة في سعر الفائدة على الدولار هو محاولة من الفيدرالي الأمريكي لتقليل نسب التضخم التي وصلت إلى أعلى مستوياتها 7.5% وهي الأعلى خلال العقود الأربعة الماضية، والتي انعكست على أسعار الغذاء والطاقة. ولفت إلى أن الدول النامية ستتأثر بما فيها الدول العربية بشكل مباشر من ارتفاع أسعار الفائدة لأن معظمها يعاني من عجز في الموازنة العامة، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض الخارجي على هذه الدول، من حيث صعوبة الحصول على الأموال، ووجود أعباء إضافية لتسديد الفوائد على هذه الديون، وهذا يؤدي إلى تفاقم الدين العام وزيادة العجز في الموازنات في هذه الدول. وإضافة إلى ذلك، ستعاني البورصات في الدول النامية من هروب الأموال نحو السوق الأمريكي بحثا عن بيئة استثمارية أكثر استقرارا وعملة أكثر قوة، وهذا الهروب سيؤدي إلى زيادة تقلب أسعار الأسهم في البورصات الناشئة ويزيد من عدم استقرارها،وعلى رأسها أموال صناديق وبنوك الاستثمار والشركات الكبرى. وقال إن هذا يتطلب من البنوك المركزية في الدول النامية الإسراع في زيادة سعر الفائدة التدريجي على العملات المحلية بما يتوافق مع الزيادة على الدولار الأمريكي ليقلل من هروب الأموال الساخنة عبر الدول نحو الدولار الأمريكي، كما أن الزيادة التدريجية في أسعار الفائدة على العملات المحلية تقلل من هروب الأموال المستثمرة في أدوات الدين المحلية كأذونات الخزينة والسندات والتي تعتبر مصدر تمويل مهما في هذه الدول النامية.