"حمّل وصِّل".. عربة رزق يلجأ إليها أطفال مخيم جباليا
Al Sharq
بعد إلحاح شديد قبل الطفل براء المطوق تناول قطعتي البيتزا والجبن الصغيرتين، بعد أن أخبرني أنه لا يأخذ غير حقه من توصيل الخضرة على عربة العجلات الصغيرة ذات الصوت المزعج
بعد إلحاح شديد قبل الطفل براء المطوق تناول قطعتي البيتزا والجبن الصغيرتين، بعد أن أخبرني أنه لا يأخذ غير حقه من توصيل الخضرة على عربة العجلات الصغيرة ذات الصوت المزعج الخاصة به وأنه سيخصمها من المبلغ الذي سأقدمه له بعد توصيله لمشترياتي وذلك وفق وصية أمه. براء ذي الأربعة عشر ربيعًا يعمل منذ عام كعامل توصيل حر في سوق مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يكتفي بسؤال المشترين: "هل أوصل لك أغراضك عمي؟ أو "هل أوصل لك أغراضك يا خالتي؟" فإن وافقت حمل الخضرة وغيرها من الأغراض عن المرأة ووضعها في عربته كما لو أنه شاب قوي مسؤول، وإن رفضت تراجع وانتقل لزاوية أخرى من السوق باحثًا عن مشتر آخر دون أن يكلف نفسه عناء الإلحاح أو التسول كالبعض. ويعمل براء على تلك العربة بعد أن رأى أخاه الأكبر من قبله يعمل على واحدة ويجني مبلغًا من المال يستطيع من خلاله توفير قوت يوم عائلته المكونة من 3 إخوة وأختين، وبالرغم من أن السوق يعج بأصحاب العربات من أبناء المخيم التي يطلقون عليها "عربة حمل وصل" إلا أنه لا يمل من العمل عليها. ويعاني قطاع غزة، بفعل سنوات الحصار الطويلة، من الفقر وارتفاع معدلات البطالة إلى أرقام مخيفة، وهو ما يدفع حتى الاطفال مثل براء للبحث عن عمل يوفر لهم لقمة العيش، حيث يقول لـ"الشرق": "حتى وإن تعبت من حمل الخضار وتوصيلها للمشترين والذهاب من وإلى السوق مرارًا إلا أنني أحب العمل، فهو يكسبني رضى والدتي دومًا ويجعلني أشعر بأنني شخص مسئول وقادر على صنع شيء جميل لعائلتي". ويضيف: "أمي لا تتوقف عن الرضا عني، خاصة حين أفاجئها بأن المبلغ الذي حصلت عليه وصل أقصاه أي ما يقارب 20 شيقلًا "7 دولارات" حتى وإن كانت لا تقابل الجهد المبذول". ينطلق براء للسوق الساعة السابعة والنصف ثم يعود للبيت الساعة الحادية عشرة، يستحم ويرتدي ملابس المدرسة ثم يتناول إفطاره وينطلق للمدرسة بعد أن يحصل على مصروفه من والدته التي سلمها المال الذي حصل عليه من تعبه". يوضح. وعند العودة من المدرسة لا يضيع وقتًا كثيرًا فيتناول غذاءه الذي اشتراه صباحًا وفق طلب والدته ثم يحل واجباته فهو لا يفكر أبدًا في ترك مدرسته وإن كان يعمل، فهو لن يبقى طوال حياته عاملاً على عربة توصيل الخضرة، بل سيتعلم حتى يصبح رجلًا له شأنه في المجتمع. بمجرد أن يقترب الليل ويضع رأسه على الوسادة يغط في نوم عميق - وفق وصفه - فهو بالكاد يقف على رجليه لشدة التعب. ذات يوم أحضر براء قالب كيك بمناسبة عيد ميلاد أخته ذات الثلاث سنوات، فكانت مفاجأة جميلةً لها، وحول هذا يروي: "أظنها كانت سعيدة أكثر مما لو أحضرها لها أبي، لقد وفرت كل دخل اليوم من أجل أن أراها سعيدة، خاصة وأنها كانت تتمنى أن يحتفل أحدهم بعيد ميلادها". وفي ظل تفشي البطالة في قطاع غزة يقعد والد براء بلا عمل بعد أن اضطر لترك عمله كسائق أجرة، بسبب بيع صاحب السيارة سيارته لظرف ما، ولذلك يأخذ براء وأخوه مكان والدهما في توفير قوت اليوم لحين يجد عملًا مناسبًا "ما قدمه والدي لنا كثير، ومساعدته أقل واجب يمكن أن أقدمه له في ظل توقفه عن العمل فهو لم يقصر معنا يومًا".