
جميلة آل شريم لـ الشرق: النقد ملح الفن وليس اصطياداً للأخطاء
Al Sharq
الفنانة التشكيلية جميلة آل شريم، صاحبة تجارب فنية ونقدية عديدة. كانت أولى مقالاتها النقدية في جريدة الشرق، والتي انطلقت منها لتمارس النقد بشكل أعمق، ما جعلها تنجز
الفنانة التشكيلية جميلة آل شريم، صاحبة تجارب فنية ونقدية عديدة. كانت أولى مقالاتها النقدية في جريدة الشرق، والتي انطلقت منها لتمارس النقد بشكل أعمق، ما جعلها تنجز أعمالها الفنية برؤى نقدية. في حديثها لـ الشرق تناولت أهمية النقد بالنسبة للأعمال الفنية، وأسباب العزوف عن الخوض في هذا المجال، علاوة على حديثها عن التحديات التي تواجه المرأة الفنانة، والدوافع التي تجعلها تقبل على الرسم أكثر من غيره في مجالات الفن التشكيلي، وفي مقدمته النحت، والذي كان للفنانة جميلة آل شريم تجربة في ذلك المجال. وعرج الحوار على رؤيتها للمشهد التشكيلي المحلي، والمقومات التي تؤسس لإرساء ثقافة نقدية في عالم الفن التشكيلي، إلى غير ذلك من محاور طرحت نفسها على مائدة الحوار التالي: *في إطار اهتماماتك بالكتابة النقدية في الفن التشكيلي، برأيكِ لماذا تغيب ثقافة النقد عن هذا القطاع محليًا؟ ** النقد بشكل عام يترسخ في أذهان الناس بأنه يصطاد أخطاء الآخرين، ويرونه نوعًا من التذمر والشكوى وأنه أمر سلبي، ولذلك يغيب عن بعض الأنظار. غير أنه في جوهره عملية عقلية تستهدف تقويم الأعمال الفنية والارتقاء بها وتحسين الأداء وتطويره. والنقد الفني هو انتقاء الأصيل من الزائف، واكتشاف مواطن الجمال، أو القبح، وإصدار حكم قيمي للأعمال الفنية؛ لذلك نادرًا ما تقوم المعارض الفنية ليس في قطر فحسب، بل في معارض أخرى خارجها، بتقديم رؤى نقدية عن الأعمال الفنية القائمة في المعرض، لينتهي المعرض دون نقد فني، وكأن المعرض عبارة عن لوحات، وأغانٍ، وتصوير سلفي، وبوفيه لتذوّق الأكل بدلًا من تذوق الأعمال الفنية! أدوات فنية *للفنان دائمًا أدوات تسهم في تطوير أعماله، فهل تمارسين النقد على أعمالك؟ **أكيد، فلكل فنان بداية فطرية تتطور بشكل أكاديمي، ثم يتجاوز المرحلة الواقعية ليجد أسلوبة الخاص في عالم الحداثة. وبفضل دراستي للفن، أمارس التنظير والتأويل لأعمالي، لأن الفنان لابد أن ينظر إلى ذاته تجاه خطابه البصري وإلا فلن يكون منظرًا. وهنا، أستذكر "بابلو بيكاسو"، و"موندريان"، و"فاسيلي كاندسكي". وأعتقد أن تنظيرهم كان يشكل مرآة حقيقية لرؤيتهم الفنية، وبوابة انكشفت من خلالها مخبوءات النص التشكيلي المسكوت عنه في الخطاب الجمالي، وليشكل مرجعيات مهمة للناقد. لذلك فلا بأس أن نمارس النقد على أعمالنا، حتى تحمل معاني ودلالات. وأعتقد أن الرغبة الشديدة والاحتمال العنيد مع نقد الأنا، هو ما أوصلني إلى إبداعي. تحديات نسوية * وبرؤية نقدية، ما هى أبرز التحديات التي تواجه الفنانة التشكيلية، وكيف يمكن له التغلب عليها؟ **إنّ اهتمام الدولة بالفن والفنانين، وطرح مبادرات اجتماعية وتعليمية تجاه المرأة، كانت سببًا في خروج الفنانة للناس، لترسم أمامهم، وأذكر أن أول ظهور لي أمام الفنانين والجمهور كان في عام 2010. وأؤكد أن المرأة القطرية حققت نجاحات بلا حدود وبلا قيود نحو الإبداع؛ وأصبحت الفنانة تحلم بالأجنحة بالرغم من أنها ملتصقة بالجاذبية؛ لذلك رسمت لوحة بلا حدود وفوق أصعدي، عام 2012م. وأرى أن أبرز التحديات هو التمكين لفن المرأة الفنانة وأن يكون لدينا متحف خاص لفنها، ومشاهدة لوحات الفنانات القطريات الرائدات. ثقافة نقدية *وهل من رؤية لتأسيس ثقافة نقدية في عالم التشكيل، تسهم في الارتقاء بهذا المشهد محليًا؟ **تعدت حركة التشكيل الفني القطري المعاصر 60 عامًا من التأصيل والإبداع في منجزاتها التشكيلية. وأتفق كلّيًّا بأننا أمام إشكالية تفصل بين منجز التشكيل القطري المعاصر اليوم وبين حركة النقد. وأرى أن ذلك يشكل منعطفًا خطيرًا في عملية رقي المنجزات الفنية قي قطر، وعلينا تأسيس ثقافة نقدية في عالم التشكيل، والارتقاء بهذا المشهد محليًا من خلال آفاق استراتيجية للاتجاهات النقدية، وكذلك لضبط العلاقات القيمية في المجتمع بهدف الإرشاد إلى الخير، وكراهية الشر، وتصحيح السلوك، وتهذيب الوجدان بين الفن والمجتمع. الكتابات النقدية *وما تفسيركِ لحالة العزوف عن الكتابة في مجال النقد التشكيلي؟ **الكتابة في الفن إحساس وإبداع؛ وتعتمد على الموهبة والابتكار لدى الكاتب وإلمامه بعلم المنطق التأملي والتفكير الناقد، ومجموعة من المهارات، منها: تنظيم المعلومات، وفهمها، وتدقيقها، وتحليلها، وتقييمها، والإنصاف، وعدم التحيز إلا لصوت الحقيقة، والاستقلالية في التفكير. وعلينا اكتشاف المواهب والكفاءات، وحسن استثمارها، واستنطاق الطاقات والقدرات. والكتابة النقدية تحتاج إلى العين البصيرة، والدعم المادي، إذ أن الكتابة النقدية من الصعوبة بمكان، لاعتمادها على التفكير الابتكاري وليس التقليد والاستنساخ. وستبقى حالة العزوف عن الكتابة في النقد التشكيلي التحدي الأعظم أمام المؤسسات القائمة على رعاية الفنانين ودعمهم، إذ لا يمكن لأي ورشة في العالم أن تصنع الكاتب الموهوب في مجال التفكير الناقد والابتكار. *الملاحظ أيضًا، أن المرأة، وكما أبدعت في إنجاز العديد من الأعمال الفنية، إلا أنها أحجمت عن الخوض في عالم النقد في ذات المجال، فما تفسيركِ لهذا العزوف النسوي؟ **أذكر، أن الروائية الإنجليزية "فرجينيا وولف" اتهمت العالم الغربي بأنه مجتمع أبدي، منع المرأة من تحقيق طموحاتها الفنية والأدبية، وحرمانها اقتصاديا وثقافيا، وعلى هذا النحو نجد أن المرأة في الفن أيضًا لم تنل حقوقها حتى في مجال الكتابة في النقد الابتكاري، وهذا ما حصل عام 1971 حينما انتشرت في الصحف الأمريكية لغة التظاهر والاحتجاج والعتاب للإنسانية أمام نسيان المرأة الفنانة والكاتبة في مجال النقد النسوي. وكل هذا يقودنا إلى إجابة أن المرأة في الفن الغربي والعربي لم تنل حقوقها كفنانة وناقدة فنية. وتفسيري لذلك، عدم مساواة المرأة بالرجل في حقوقها المادية، حتى في الكتابة، والتشكيك في قدرة النساء على الكتابة النقدية. * المتأمل للمشهد التشكيلي، يلمس إقبالًا من المرأة القطرية على الرسم، بشكل يفوق غيره من الفنون، وخاصة النحت، فما الأسباب الدافعة للمرأة القطرية في الإقدام على هذا الجانب من التشكيل أكثر من غيره؟ **الرسم هو المألوف والأسهل عند الفنانة القطرية، ولكل فنانة أسلوبها وطرق التعبير بها؛ ولكن لا ننسى أن لدينا مبدعات وخطابات متنوعة. تنوع فني *في ظل ارتباط الفن التشكيلي القطري بالواقعية، وطغيانها على غيرها من المدارس الفنية، هل تعتقدين أن البيئة المحلية ما زالت هى المهيمنة على إبداعات الفنان القطري، وأنها تحول دون انطلاقته إلى مدارس فنية أخرى، ربما تكون أرحب، وأكثر ثراءً؟ **جميع بلدان العالم تحترم قدسية الفن، وقطر من جانبها تحترم كل المدارس الفنية، ولذلك لدينا مدارس متنوعة، تجمع العديد من التجارب الفنية. وأعتقد أن الأهم في التنوع الفني، هو الإبداع ذاته. *هل تعتقدين أن الفنان يمكن له أن يترجّل، وأن هناك مؤثرات يمكن أن تكون مانعة لاستكمال مسيرته الفنية؟ **أرى أن المثل القائل: "لكل جواد كبوة" هو حالة تشبيه للفنان الأصيل بالحصان فى قوته وأصالته؛ فالحصان على الرغم من قوته وسرعته إلا أنه قد يسقط ويصاب بالأذى ويقع، وكذلك الإنسان على الرغم من قدراته وقوة سلطانه، إلا أنه يسقط وينهار ويصاب بالانكسار؛ فكل شخص له لحظة ضعف. لكننا لابد أن نتحدى الصعاب، وننطلق إلى الأمام دائما؛ كما أن الفكر والخيال البصري لا يأتي إلا من خلال الأزمات، ويلقي الأضواء على عملية الإبداع في الفن، بل يصبح المرجع للفنان وذكرياته؛ ومن صنع الأزمات جاءت تجربتي الفنية الإنسانية والبحث عن أيقونة وطنية كي تلحن سيمفونية العطاء. *ما رؤيتك لمدى التطور الذي يشهده الفن التشكيلي القطري، خلال الوقت الراهن؟ ** أضحت قطر تمتلك ناصية الحلم بمستقبل الفنون التشكيلية وبفضل جهود سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس أمناء متاحف قطر، واهتمامها بالفن التشكيلي المحلي، تطور هذا الفن، وتعزز دوره في المجتمع. ولا ننسى أيضًا دور بقية المؤسسات، ودورها في دعم الفنانين. والفن القطري كغيره في الوطن العربي والعالم، يمر بمراحل تدريجية وأؤمن بأن الفن يجب أن يتطور بشكل تدريجي وطبيعي وكشجرة السدرة تبدأ من نبتة صغيرة ثم تكبر. لذا، فإن التسلسل في الحركة الفنية مطلوب وبشكل طبيعي للناقد والجمهور والمؤسسات المرتبطة بالفنون، ويجب أن تمر حركتنا تدريجيًا، بعيدًا عن السرعة، لأن ما يُبنى سريعًا، سوف يسقط بسرعه ومن تلقاء نفسه.