بالصور| مصحف قطر .. أيقونة إسلامية بعزيمة قطرية
Al Sharq
اثنتا عشرة سنة مرت منذ تدشين /مصحف قطر/، هذا المنجز الحضاري الذي توج به حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في 9 مارس من العام 2010، العقد
اثنتا عشرة سنة مرت منذ تدشين /مصحف قطر/، هذا المنجز الحضاري الذي توج به حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في 9 مارس من العام 2010، العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد رحلة استمرت نحو عقدين من الزمن، حيث أريد له أن يكون عملا استثنائيا يليق بكتاب الله الكريم، ويلبي طموح هذه البلاد التي أصبح اسمها مرادفا للإنجازات العظيمة. بدأت رحلة هذا الإنجاز الحضاري الإسلامي، تحديدا، في أغسطس من العام 1991، عندما كان فكرة تداولها القائمون على الشؤون الإسلامية في أروقة المحاكم الشرعية، حتى قبل إنشاء وزارة للأوقاف والشؤون الإسلامية، عندما رفع الدكتور خليفة بن جاسم الكواري مدير إدارة الشؤون الإسلامية آنذاك مذكرة إلى سعادة وكيل المحاكم الشرعية، تتضمن مقترح كتابة مصحف باسم دولة قطر، وهو المقترح الذي ظل محط بحث ودراسة في ذلك الوقت، ولكن دون الإقدام على أي خطوات ملموسة، وذلك حتى العام 1999، عندما طفت الفكرة على السطح مرة أخرى.
وكان إحياء فكرة /مصحف قطر/ ذلك العام، في رحاب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي وجهت بدراستها، ووضع كافة الشروط والضوابط والمعايير لإخراجها بالصورة المثلى، لتحظى الفكرة حينها بالموافقة السامية من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وذلك في مايو من العام 2000، لتبدأ دولة قطر أولى الخطوات العملية في هذا المشروع الحضاري الكبير. في الأثناء، بدأت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التواصل مع أحد أهم المراكز في العالم الاسلامي في مجال الخط العربي، وهو مركز أبحاث التاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (أرسيكا) بمدينة إسطنبول التابع لمنظمة التعاون الاسلامي، لتتوالى الخطوات العملية بعد ذلك، وتبدأ فرق العمل خلال العام 2000 بالإعداد والتحضير للمشروع، وفقا للخطة الموضوعة التي تتضمن مراحل وإجراءات لم تكن في تاريخ كتابة المصاحف الشريفة. وبعد عام من العمل والمثابرة في دراسة الأفكار والرؤى لإخراج هذا المصحف إلى النور بصورة لا مثيل لها، تم الإعلان عن مسابقة دولية للخط العربي لكتابة /مصحف قطر/، وتحديدا في شهر أغسطس من العام 2001، وكانت هذه المسابقة الأضخم من نوعها في تاريخ الخط العربي والأولى في تاريخ كتابة المصاحف الشريفة، ونجحت في استقطاب نحو 120 من أمهر الخطاطين في العالم الإسلامي الذين تنافسوا للفوز بشرف الكتابة أمام هيئة تحكيم دولية تم تشكيلها من خبراء في فنون الخط العربي.
ونظرا لهذا العدد من المتنافسين الذي فاق التوقعات، اتخذت هيئة التحكيم في أول اجتماع لها بالدوحة خلال شهر مايو من العام 2002 قرارا بتحويل المسابقة إلى ثلاث مراحل بدلا من مرحلتين، وتم اختيار سبعة متسابقين لدخول المرحلة الثانية، تأهل منهم متسابقان فقط للمرحلة الثالثة والأخيرة، وهما عبيدة صالح البنكي (سوري الجنسية)، وصباح مغيديد الأربيلي (عراقي الجنسية)، وهما من أشهر الخطاطين في العالم. وبعد إعلان هيئة التحكيم الصادر في أكتوبر 2002 بمدينة إسطنبول حصر المنافسة بين خطاطين اثنين فقط لكتابة مصحف قطر جرى توقيع عقود الاستكتاب معهما بمدينة الدوحة في يونيو من العام 2003، لتبدأ مراسم كتابة المصحف الشريف. ولم تكن هذه هي تمام المرحلة، وخاتمة المطاف، بل كانت البداية الفعلية لإخراج هذه التحفة الفنية المبهرة التي لا مثيل لها في العالم الإسلامي. ويحكي من أرخوا لهذه المرحلة، أنه بعد عامين من بدء كتابة المصحف، وتحديدا في يوليو من العام 2005، أصدرت هيئة التحكيم في اجتماعها الثالث قرارا بالاتفاق مع الخطاطَين، على إعادة كتابة مصحف قطر مرة ثانية، رغبة في إخراجه بنسق فني واحد، وذلك استثمارا لتجربتهما في الكتابة الأولى، وقد أنجزا العمل للمرة الثانية في شهر يونيو من العام 2006. وفي يناير من العام 2007، كانت الدوحة على موعد مع فصل آخر من فصول هذا المشروع، تمثل في اجتماع هيئة التحكيم لاختيار النسخة الفائزة بعد فترة مراجعة وتدقيق ومقارنة بين العملين وفق معايير علمية وموضوعية بحتة اقتضت حتى حجب اسمي الخطاطَين عن الهيئة ليكون الاختيار دقيقا وأمينا وبعيدا عن أي عوامل ذاتية، لتعلن النسخة الفائزة بالمركز الأول للخطاط السوري عبيدة محمد صالح البنكي وذلك في غرة المحرم 1428هـ الموافق 20 يناير 2007 وبحضور جميع أعضاء هيئة التحكيم، وحشد من وسائل الإعلام. ويروي الخطاط عبيدة البنكي لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ تجربته في كتابة المصحف، حيث وصفها بأنها كانت تجربة ملهمة وثرية كونها مرتبطة بكتاب الله الكريم، وجاءت عقب مسابقة دولية شهدت منافسة قوية بين الخطاطين حول العالم، مضيفا "لطالما كانت أمنيتي أن أكتب القرآن الكريم، لكن لم أكن أتخيل أن أمر بهذه التجربة الفريدة وأحوز على شرف كتابة مصحف قطر الذي يتداوله اليوم ملايين المسلمين حول العالم". وأوضح أنه كتب مصحف قطر مرتين في إطار خوضه السباق الدولي بين الخطاطين، وقال " كتابته للمصحف استغرقت نحو ثلاث سنوات ونصف السنة من العمل المتواصل، وكتبته بالريشة مرتين، ليخرج بهذه الصورة التي لم يعهدها تاريخ المصاحف". وأكد في تصريحه لـ/قنا/ "أن الخط هو هندسة دقيقة للحروف، لا يمكن القفز على قواعدها ومعاييرها الفنية، لا سيما وأنت تكتب المصحف الشريف ومطالب بالالتزام بمختلف القواعد الأخرى المتعلقة بالرسم العثماني، وإخراج الصفحة بشكل يجمع بين الجمال وحسن التوزيع في كل صفحة". ويفصل تجربته في الكتابة قائلا " كنت أقوم بدراسة الصفحة من المصحف، ثم أكتبها بالقلم العادي "الرصاص" كمسودة، وبعدها أكتبها بالشكل النهائي، لتبدأ بعد ذلك مرحلة تصحيح الحروف وتنظيفها ووضع علامات الشكل والضبط، لتستغرق الصفحة الواحدة أكثر من ثماني ساعات من العمل المتواصل".