الهند والصين.. صراع العمالقة على تخوم الهيمالايا
Al Jazeera
على امتداد آلاف الكيلومترات، يستمر الصراع البارد بين الهند والصين من أجل السيطرة على ما أمكن السيطرة عليه من أودية وتلال بتخوم الهيمالايا، صراع يعكس سباقا جيوسياسيا بين قوتين صاعدتين.
على ارتفاع أكثر من أربعة آلاف متر فوق سطح البحر، وفي ظل وحشة الجبال المحيطة بالوادي، ساد صمت تام ومُعتاد لا يكسره سوى صوت مياه نهر "گلوان" الجارية في الأسفل. يكسر النهر قيود الجليد هُنا بدءا من مايو/أيار، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى الصفر، وتعبره ببضع درجات في النهار، لتجري مياه النهر سريعا وتدُب معها الحركة في وادي "گلوان". ليس النهر وحده مَن ينتظر قدوم الصيف ليكسر صمت الوادي، فالضباط والمهندسون يهرعون إلى تلك الأرض البعيدة والنائية العام تلو العام، في سباق بارد لبسط سيطرتهم الفعلية على المنطقة الواقعة قُرب الحدود بين الهند والصين: أبرز وأطول حدود دولية لم يُتَّفق على ترسيمها حتى اليوم.
بينما خيَّم الظلام على الوادي في ليلة السادس عشر من يونيو/حزيران الحالي، عثرت دورية للجيش الهندي على قوة صينية حدودية كان من المفترض أنها أتممت انسحابها من موقعها قبل أيام بعد أن ثبت وجودها بولاية لداخ الهندية لا منطقة التبت الصينية. كان ظهور القوة في موقعها نفسه من جديد مفاجأة توجَّه على إثرها عقيد هندي وجنوده لمطالبة القوة الصينية بالانسحاب، لكنّ عراكا عنيفا بالأيدي سرعان ما اندلع وأحدث إصابات طفيفة، قبل أن تنجح القوة الهندية في تهدئة الأوضاع وتفكيك النقطة الصينية وإجبار الصينيين على العودة إلى موقعهم المُتَّفَق عليه. على مرمى البصر، وبينما وقفت القوة الهندية تراقب المنطقة، لاحت في الأفق تعزيزات من الجنود الصينيين قادمة تجاههم، فتجمَّع على إثرها مئة جندي هندي واتجهوا للموقع الصيني لوقف تقدُّمِهم، لينشب عراك آخر أكثر دموية بالأحجار والأسلاك الشائكة والعصيان الحديدية سقط على إثره بعضهم في النهر، ولقي آخرون حتفهم تأثُّرا بجراحهم في ذلك البرد القارس. فقَد الجيش الهندي عشرين من رجاله طبقا لتصريحاته الرسمية، في حين التزم الصينيون الصمت وسط أنباء عن خسارتهم ستة عشر جنديا. كان ذلك أول اشتباك تنجُم عنه خسائر في الأرواح منذ عام 1975، وأكثر الاشتباكات دموية منذ عام 1967، لكن أيًّا من تلك الاشتباكات المحدودة لا تزال غير كافية لإجبار البلدين على ترسيم الحدود بصورة نهائية. (مصدر)
لقد اتفق الهنود والصينيون على ألَّا يتفقوا منذ عقود، تاركين سلسلة جبال الهيمالايا المنيعة للقيام بواجبها الذي أدّته لقرون طويلة من إعاقة البلدين عن الانزلاق لحرب شاملة، ومن ثمَّ امتد ما يُعرَف بـ "خط السيطرة الفعلية" (LAC) لأكثر من أربعة آلاف كيلومتر بمحاذاة جبال الهيمالايا، بدءا من الشمال عند ولاية كشمير، وصولا لأقصى الجنوب الشرقي حيث تلتقي حدود البلدين مع دولة ميانمار. للمفارقة، وكما يشي اسمه، تحرَّك خط السيطرة الفعلية باستمرار وفقا لسيطرة البلدين الفعلية على الأرض، وهي سيطرة كانت ولا تزال مرهونة بتحرُّكات الضباط البطيئة والدؤوبة لحيازة الأرض المرتفعة والوعرة، وإخضاعها للرقابة والدوريات العسكرية دون أن يلحظ الطرف الآخر، وكذلك بمشاريع البنية التحتية كالطرق والجسور؛ تحرُّكات ومشاريع أعاقتها الطبيعة بما منحته لتلك المنطقة من قسوة، وأعاقتها الكثافة السكانية الضئيلة بالتبعية، والتي جعلت من مد خطوط السيطرة والإمداد والطرق عبئا ماليا ضخما على بلدين يعجَّان بملايين الفقراء رُغم ما قطعاه من أشواط التنمية الاقتصادية، وتتركَّز الكثافة السكانية فيهما بعيدا جدا عن تلك المرتفعات النائية. بيد أن ارتفاع الأرض بالتحديد هو ما منح الحدود الهندية-الصينية أهمية جيوسياسية فرضت على البلدين هذا السباق البارد المستمر، إذ إن نجاح أحد البلدين في اعتلاء تلك القمم والتطلُّع للأراضي الشاسعة الخاضعة للطرف الآخر يُعَدُّ بمنزلة إمساكه من عنقه.