الموسيقار حامد النعمة لـ الشرق: القائمون على الإدارات الثقافية ليست لديهم اهتمامات فنية
Al Sharq
كشف الموسيقار حامد النعمة عميد الفن القطري، والملحن المتفرّد في السيمفونيات والأعمال الأوبرالية، عن مشروع فني جديد ضمن خطة وضعتها المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا)
كشف الموسيقار حامد النعمة عميد الفن القطري، والملحن المتفرّد في السيمفونيات والأعمال الأوبرالية، عن مشروع فني جديد ضمن خطة وضعتها المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) لإطلاق مشاريع ثقافية رائدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط. وأوضح النعمة، في لقاء خاص مع (الشرق) أن غياب الشغف وحب الفن وممارسته عند القائمين على المؤسسات الثقافية والفنية لن يقود إلى نهضة حقيقية في الفن، كما لفت الى أن الفنان القطري تنقصه الكاريزما التي تجعله مطلوبا في حفلات ومهرجانات في لبنان ومصر وغيرها من الدول التي تعتبر بوابة الانتشار والشهرة للعديد من الفنانين العرب. كما تناول اللقاء أسئلة الراهن الفني، وما تعلق منها بالأسباب الكامنة وراء إغلاق معهد الفنون الموسيقية الذي أسسه في ثمانينيات القرن الماضي، وقدم رؤيته حول واقع الفن في قطر من منطلق خبرته ومسيرته الطويلة في هذا المجال، والتي تعود الى سنة 1975 بداية انطلاقته الحقيقية في المجال الفني. كما اقترح حلولا ومعايير فنية لتحقيق النهضة المطلوبة، والتي يرى أنها تأخرت كثيرا بسبب غياب الرؤية والموازنة.. فكان الحوار التالي:* حدثنا عن المشروع الفني الذي يتم الإعداد له بالتعاون مع (كتارا)؟ ** في الحقيقة هناك عدة مشاريع؛ أحد هذه المشاريع انتهينا من تنفيذه وتسجيله وهو سيمفونية النهام، وهي عبارة عن ثلاث حركات: الحركة الأولى موسيقى، والحركة الثانية صورة النهام، والحركة الثالثة الخاتمة. قدم المشروع بثلاث حركات، وسيتم توزيعه وفق ما تراه المؤسسة، ويبدو أنهم يجهزون لافتتاح رسمي قد يكون لحدث ضخم، وكتارا مؤسسة ثقافية لديها رؤية، وهذا يحسب للقائمين عليها. وتم الاتفاق معي على العمل من ناحية التلحين والتأليف الموسيقي، وهو عمل موسيقي ضخم سيتم عرضه على المسرح بمصاحبة الأوركسترا السيمفونية.* لماذا تم اختيارك لتقديم هذا المشروع الضخم؟ ** ليس غرورا؛ ولكن لا أعتقد أن هناك ملحنا بإمكانه أن يقدم عملا من هذا النوع، مع احترامي للجميع. ربما كان حظي من الدراسة أفضل من الكثير من الملحنين والفنانين، والحمد لله أن فضلني ربي على كثير من العباد، والمسألة لا تقتصر على الموهبة فقط، وإنما الدراسة في المقام الأول لأنها تفتح أمامك آفاقا واسعة في مجال الموسيقى والإنتاج أيضا، فإذا لم تغذ هذه الموهبة بالدراسة ستظل محدودا في إنتاجك.* ماذا عن المشاريع الأخرى التي أشرت إليها سابقا؟ ** بقية المشاريع وعددها أربعة مازالت قيد التحضير، وهي مجموعة من الأفكار، قسم كبير منها قمت بتنفيذها، وبدأت بتلحينها. والعمل تقدمه الأوركسترا لأنه كما قلت يتكون من مجموعة حركات. نعم في بداياتي قدمت الميلوديات وغنيتها، لكني أميل الى الهارموني، وتخصصت في هذا المجال.* هل يمكن أن نعتبر تعاونك مع (كتارا) امتداداً لتكريمك بدرع الفن الأصيل؟ ** نحن جيل بدأنا الفن منذ سنوات طويلة لكن لا أحد من القائمين على الإدارات الثقافية لديه اهتمامات فنية. المسؤول الإداري في المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي لابد أن يكون محبا للفن، وأن تكون لديه رؤية. في فترة من الفترات كان الدكتور عيسى الكواري وزير الإعلام محبا للفن وحريصا على دعم الفنانين. في ذلك الوقت لم يكن هناك أوركسترا سيمفونية عدا الفن الشرقي والخليجي الذي كنا نقدمه، وكان عدد الفنانين البارزين قليل جدا مقارنة بعددهم اليوم. كنت أنا وعبدالعزيز ناصر وفرج عبدالكريم (رحمهما الله)، وعلي عبدالستار وصقر صالح أطال الله في عمرهما. وكان هناك تفاوت في المستوى وهذا موجود في كل العالم لأن التنافس مشروع في الفن، والأفضلية لا تعني أن هذا الفنان سيء وهذا جيد، ولكن الفرق في كوني كمتلقي أحب أن أسمع هذا الفنان ولا أحب أن أسمع ذاك الفنان، وهي أذواق وأمزجة. في تلك الفترة، أقصد السبعينيات، بدأنا نعمل، وبدأت المؤسسات الإعلامية تظهر، وفي عهد الدكتور عيسى الكواري تأسست إذاعة قطر والمتحف الوطني وتلفزيون قطر، والفرق الموسيقية، والمعهد الموسيقي، والمهرجانات، وكان يتقبل الأفكار والمشاريع التي تطرح عليه، ويعطي الإذن بتنفيذها على الفور. في السبعينيات، ظهر في الكويت مسؤول هو الشيخ عبدالله الصباح. هذا الرجل شكل علامة فارقة في نهضة الكويت لأنه درس فن الإخراج وكان يعزف على آلة العود. كنت دائما ما أقول إن المسؤول الإداري بالمؤسسة الثقافية إذا لم يكن يمارس أحد الفنون لن ينهض بالفن في البلد. عندما استلمت معهد الموسيقى أتيت بأفضل العازفين في الوطن العربي، وسافرنا الى دول كثيرة، وعزفنا خارج قطر. لماذا؟ لأني فنان ولا أقبل ألا يكون لدينا أوركسترا وفنانون.* هل كان التعاون مع (كتارا) من قبيل استرجاع تلك المرحلة؟ ** التقيت بسعادة الدكتور خالد السليطي مدير عام المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) صدفة، ومن منبركم هذا أحيي هذا الرجل المحب للفن والثقافة. استقبلني في مكتبه بحفاوة، وكان هناك اهتمام بالأفكار التي طرحتها، وبدأنا أول خطوة بتنفيذ المشروع الأول. كان د. خالد مرنا جدا في تعامله، وهو شخص حركي، وحركته لا تهدأ في سبيل تحقيق مشاريع وإنجازات على مستوى كتارا، وأنا داعم له بأي شكل من الأشكال، وقد أكرمني في استقباله وفي تكريمه لي بدرع الفن الأصيل، وأيضا بإعداد كتاب عن سيرة حياتي، ويجب أن أقدر كل ذلك.* بعد مسيرة حافلة بالعطاء، هل مازال في جرابك ما تقدمه للجمهور؟ ** لدي الكثير من المشاريع أفكارها وسيناريوهاتها جاهزة على الورق وتنتظر التنفيذ. لدي أكثر من 30 لحنا، وأبحث عن الصوت الذي يمتلك كاريزما كي أحكم إن كان سينتشر بهذه الأغنية أم لا.* هل تقصد أنه لا يوجد في قطر صوت لديه كاريزما؟ ** مع احترامي للجميع. نعم هناك أصوات جميلة لكني لم أجد الصوت الذي لديه كاريزما. هناك معايير معينة بالنسبة إلي كملحن، وأتطلع الى أن العمل الذي أقدمه لابد أن يحقق الانتشار المطلوب. الفنان إذا لم تكن لديه كاريزما لن يصل الى الجمهور العربي والعالمي، ولن يكون مطلوبا في الحفلات والمهرجانات في دول مثل مصر ولبنان وغيرها، ولن يكون له إنتاج حقيقي. هناك قلة قليلة من فنانينا يتم دعوتهم لحفلات خارج منطقة الخليج، وحسين الجسمي هو الفنان الخليجي الوحيد الذي يمكن أن يصفقوا له في لبنان ومصر ودول أخرى.* ما الحل في رأيك؟ ** الحل أن نبتعد عن المجاملات، وأن تكون هناك سياسة وميزانية، وأن يكون القائمون على قطاع الفن بنفس فكري، وموضوع الكاريزما مهم سواء بالنسبة للفنان أو العمل الفني نفسه. نحن في قطر لدينا الفنان علي عبدالستار الذي تعامل مع موضوع الانتشار بذكاء رغم أن صوته ليس أفضل من الفنان فهد الكبيسي أو الفنان صقر صالح، لكنه كان ذكيا في البحث عن ملحن ناجح، إلى جانب أنه ينفق على اللحن من ماله الخاص. هناك فنان يجذبك وفنان لا يجذبك رغم جمال صوته. لذلك أقول: كي تبرز إنتاجك لابد أن تبحث عن المنتج والملحن الجيد. أنت لست مضطرا لاختيار ملحن من قطر أو من الكويت وإن كان في الكويت ملحنون جيدون مثل الملحن الشامخ غنام الديكان.* ألا ترى أن غياب معهد للموسيقى أحد الأسباب التي جعلت الأغنية القطرية محدودة الانتشار؟ ** عندما أسسنا معهد الفنون الموسيقية في قطر كان الوضع مختلفا. ربما لو أعيد افتتاح المعهد مرة أخرى اليوم سيكون أوفر حظا من السابق في مسألة إقبال المواهب القطرية على الدراسة والالتزام بالحضور في الحصص الدراسية، لأن الشغف بالموسيقى موجود مقارنة بالعقود الثلاثة الماضية. عندما افتتح المعهد طلبت من الجهة المسؤولة أن يتم منح الطلبة الذين يدرسون فيه مكافأة شهرية، وبدأنا بـ 400 ريال للطالب الواحد، والحقيقة أني شجعت هذا الجانب ولكن هناك من عارضني، وكانت النتيجة قرار إغلاق المعهد.* هل هذا السبب كافٍ لإغلاق معهد؟ ** كان نظام المعهد يسمح بأن يدرس فيه 15% من غير القطريين وباقي الطلبة قطريون. وفي إحدى الموازنات قيل لي: نحن زرنا المعهد ولم نجد غير المقيمين. قلت: صحيح. قيل لي: لكن نظام المعهد يسمح بـ 15% فقط من المقيمين. قلت له: الطالب القطري يعتقد أنه منذ الأسبوع الأول من الدراسة في المعهد سيصبح قادرا على العزف، بينما هناك حضور إلزامي للحصص، واختبارات، فبدؤوا ينسحبون الواحد تلو الآخر إلا قلة منهم، وظل 15% من المقيمين يحضرون بانتظام، فاقترحوا أن يتم ابتعاث الطلبة القطريين وكان عددهم لا يتجاوز 7 طلبة الى الخارج للدراسة، وكان ذلك مقترح جيدا أيدته شخصيا.* كيف ترى الأصوات الجديدة التي بدأت في الظهور في السنوات الأخيرة؟ ** هناك العديد من المواهب التي تحتاج إلى فكر وخطة مدروسة، بعيدا عن الأنانية والحقد، والخوف من المنافسة.* هل ترى بأنك لو لم تكن ملحنا لكنت إداريا ناجحا؟ ** هذا السؤال يعيدنا الى المربع الأول، وهو أن من يدير النشاط الفني في أي مؤسسة من المؤسسات لابد أن يكون عنده انتماء للموسيقى، وللفن التشكيلي، وللتمثيل، ولكل الفنون. ود. خالد السليطي قال لي عندما التقيته في مكتبه: أنا أمام كنز. قلت له هذا الكنز استثمروه قبل أن تفقدوه، وهذه حقيقة. أنا عندي كنز ولا أظن أنّ أحداً يمتلكه مثلي، والفنانون جميعهم يعرفون ذلك. الجميع يعلم أن خطي الموسيقي مختلف، ويمكن أن نوظفه للعالمية، والدليل أن النهمة لون شعبي لكني وضعته في قالب أوركسترالي عالمي. أقول للدكتور خالد السليطي من خلال جريدتكم الغراء (الشرق): خدماتي تحت أمركم. أعطوني مكتبا صغيرا، نضع الخطط، وندعو كل فناني قطر حتى أولئك الذين لا يمتلكون طاقات فنية هائلة، ونقدمهم في أعمال أوبرالية فيها الملك الفذ ومساعده والشخص الذي يستقبل الضيف ويدخله للملك، وهذا الدور يناسب الفنان الذي لديه إمكانيات صوتية محدودة، ربما يكتشف بعد ذلك أنه لا يصلح للغناء فيتجه الى التلحين.* لماذا اخترت مجال الأوبريت والأوركسترالي؟ ** أنا درست هذا المجال على نفقتي الخاصة. سافرت الى بريطانيا ودرست هناك القيادة الأوركسترالية، ثم ألحقته بدراستي في جامعة بالفلبين وتخصصت في توزيع النوتة الموسيقية على الأوركسترا.* أليست مغامرة أن تدرس فنا غير موجود في قطر في تلك الفترة؟ ** نعم، أنا محب لهذا المجال ولا يهم إن كان موجودا في قطر أم لا. لعلي أقدم فنا يعزفونه خارج قطر. أنا خريج معهد، لكن البدايات كانت متواضعة، وكان طموحي أن أتخصص في فن عالمي، وطلبت من عبدالعزيز ناصر (رحمه الله) في ذلك الوقت أن ندرس معا في جامعات أجنبية، فقال لي: (أدرس شي غير موجود؟ أروح أضيع وقتي؟) لكني سافرت وضيعت وقتي (يضحك). عبدالعزيز ناصر (رحمه الله) ابن أختي وأحبه وهو ملحن جيد يلحن الميلودي، وذائع الصيت، لكنه لم يتخصص في الهارموني. أما أنا لأني درست هذا المجال وفي الأصل ملحن ولازلت ألحن؛ فقد ساعدني ذلك على الاستمرار في تقديم أعمال أوركسترالية. ربما لو درس فنان مثل محمد عبدالوهاب أو ملحن مثل رياض السنباطي الهارموني لقدما تحفا موسيقية خالدة، ولتفوقا على بيتهوفن.* ماذا لديك بعد آخر سيمفونية قدمتها وحققت نجاحا باهرا، وهي "أسرار الدوحة"؟ ** لدي أعمال جاهزة متى ما توفرت الميزانية نبدأ بتنفيذها، ولعلك ذكرتني هنا بسيمفونية "أسرار الدوحة" التي حققت نجاحا، وأذكر أن مايسترو فرنسي كان حاضرا يوم عرض السيمفونية في الدوحة. التقينا بعد نهاية العرض وقال لي: ولدت عظيما بين العظماء وجعلتني أترك العظماء لأستمع الى عملك العظيم. فقلت له: أتعلم لماذا أنا فنان عظيم؟ قال: لأنك فنان عظيم. قلت له: لأني ألبس "غترة وعقال". فاندهش لقولي ذاك، وعلق قائلا باللغة الانجليزية: (yes). في المشروع الجديد الذي نفذته مع (كتارا) وظفت النهمة في عمل موسيقي اوركسترالي، وفي عمل آخر حذفت الكورال من الحركة لأن الكورال الشعبي لا يناسب الأوركسترا، لكن العمل في الكورال مسجل.* ماذا أعددت لاستضافة قطر بطولة كأس العالم فيفا 2022؟ * عندي عمل لا أريد أن أكشف عنه، وخاطبت جهة مسؤولة في الدولة لتبنيه، وأنتظر الرد. العمل لا يتطلب موازنة كبيرة، وكأس العالم فرصة مهمة بالنسبة إلينا كملحنين وفنانين، وهذا الحدث يحتاج الى مشروع فني عالمي لأنه حدث عالمي ولا يجدر أن نقدم عملا بالعود.* لو طلبنا منك أن تلخص هذه المسيرة في عنوان، ما العنوان الذي تختاره؟ ** خذوا عني قبل أن تفقدوني.
* ما الذي في هذه المسيرة يستحق أن نذكّر به الأجيال القادمة؟ ** أنا أول خريج موسيقى. سافرت بصحبة عبدالعزيز ناصر (رحمه الله) الى القاهرة لكن بسبب ظروف معينة تخرج بعدي بثلاث سنوات، وكان من بين الطلبة المتفوقين. أما أنا فكنت أول خريج قطري في معهد الموسيقى بالقاهرة، وعندما عدت الى الدوحة تم تعييني نائب رئيس قسم مراقبة الموسيقى في إذاعة قطر، وكلفت بمشروع فني بمناسبة استضافة بطولة كأس الخليج سنة 1976، أي بعد تخرجي بسنة. تحملنا هذا المشروع في 21 ليلة احتفالية تم توزيعها على ثلاثة مسارح: مسرح للغناء، ومسرح للأعمال المسرحية، ومسرح للشعر الى جانب الفنون التشكيلية. كان المشروع ناجحا بكل المقاييس، وساعدنا في تحقيق ذلك النجاح الدكتور عيسى الكواري. بعدها أتينا بأمهر العازفين في الوطن العربي، وبدأت المسيرة بتأسيس معهد للموسيقى، وتقديم الحفلات الموسيقية، وهي مسيرة زاخرة بالأعمال.* ما الذي خلفه رحيل الموسيقار عبدالعزيز ناصر؟ ** خلّف الدرب الذي سرنا فيه من قطر الى القاهرة والذكريات الجميلة. كانت بيننا منافسة لكنها لم تكن معلنة، لأن الغيرة مسألة طبيعية في الفن وفي مختلف مجالات الحياة. لكن هذه المنافسة لم تؤثر على علاقة القرابة التي بيننا. كنا في ذلك الوقت الأكثر بروزا في الساحة الفنية، ثم سلكت خطا آخر. ربما على المستوى المادي كان عبدالعزيز ناصر أوفر حظا مني ولم يكن همه أن ينتج ويوزع على حسابه، هذا هو الفرق في ذلك الوقت. كان عبدالعزيز ناصر في فترة من الفترات حاضرا بقوة، غزير الإنتاج خاصة الشرقي منه، وبرحيله ترك فراغا كبيرا في الساحة الفنية.