القاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية.. مدينة تراثية تنبض بتاريخ عريق وآثار شامخة
Al Sharq
مع احتفالات مدينة القاهرة باختيارها عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2022، تتسلط الأضواء على الخصوصية والقيمة العالمية الاستثنائية لهذه المدينة العريقة كواحدة
مع احتفالات مدينة القاهرة باختيارها عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2022، تتسلط الأضواء على الخصوصية والقيمة العالمية الاستثنائية لهذه المدينة العريقة كواحدة من أهم المدن التراثية وأكبرها في العالم، بما تحويه من آثار ومساجد تاريخية من مختلف العصور الإسلامية. وعلى أرض هذه المدينة الجميلة، تظهر جماليات العمارة الإسلامية التي تحكي أحجارها قصص تراث وحضارة أثرت على الفكر والحياة في العالم بأسره على مر العصور، وبقيت بآثارها الإسلامية الشامخة لتروي تاريخا حافلا بالمجد والعزة منذ دخول الإسلام أرض مصر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على يد الصحابي عمرو بن العاص عام 20 هـ / 641 م، الذي أنشأ أول مسجد في مصر. ففي مدينة "الألف مئذنة"، تفوح روائح التاريخ الإسلامي، بدءاً بالدولة الأموية، ثم الدولة العباسية، فالإخشيدية، فالدولة الفاطمية، ثم الدولة الأيوبية، مرورا بعصر المماليك، ثم الإمبراطورية العثمانية، حيث ظلت لكل حقبة ما يحكي تاريخها من مبان وعمارة وتحف تملأ كل متاحف مصر، فضلا عن المساجد التاريخية، على غرار مسجد عمرو بن العاص، والأزهر، والسلطان حسن، وأحمد بن طولون وجامع محمد علي، ومنها برزت نهضة المدينة متكاملة بملامحها الفريدة في العمران والفنون الزخرفية التي تزخر بها المساجد والقلاع والحصون والأسوار، والتي بدأت تتجلى منذ أول عاصمة إسلامية في مصر وهي مدينة الفسطاط، كما في جامع عمرو بن العاص، ومقياس النيل بجزيرة الروضة، والذي يعد أقدم أثر مصري إسلامي أنشأه الخليفة العباسي المتوكل بالله عام 245هـ. بهذه الآثار الإسلامية التي كونت تراثا معماريا متناغما لطبقات زمنية متلاحقة، قدمت القاهرة الإسلامية نفسها للعالم كنموذج لمدينة سكنية متكاملة يتفاعل فيها الإنسان مع بيئته ليجسد هذا التراث العريق، كما وصفها لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوزارة السياحة والآثار المصرية، وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة. وقال الدكتور عبدالرحيم ريحان إن تاريخ الحضارة في مصر زاخر بعواصم مصر الإسلامية قبل القاهرة وهي "الفسطاط" التي تم إنشاؤها عام 641م على يد عمرو بن العاص، ثم "العسكر" التي تأسست عام 751م على يد العباسيين، ثم "القطائع" عام 780م والتي أسسها أحمد بن طولون، وصولا إلى "القاهرة" التي اتخذت اسمها من النجم القاهر، وقيل القاهرة التي تقهر الأعداء والتي تحولت في العام الرابع من إنشائها إلى عاصمة الخلافة الإسلامية عندما انتقل إليها الخليفة المعز لدين الله الفاطمي وأسرته من المغرب واتخذ مصر موطنا له وأطلق عليها قاهرة المعز لدين الله. وفي قلب القاهرة التاريخية، يقع شارع المعز لدين الله الفاطمي، والذي وصفه الدكتور عبدالرحيم ريحان، بأنه الشارع الأثري الوحيد في العالم، لافتا إلى أنه يضم أقدم وأجمل آثار إسلامية على جانبيه، حيث يبدأ من باب زويلة حتى باب الفتوح بطول 1200 متر، ويمتد إلى شارع الجمالية من ناحية الشرق، ويتقاطع عرضيًا مع شارع جوهر القائد وشارع الأزهر الشريف.
وإلى جانب هذا الامتداد الشاسع، يعد شارع المعز بمثابة متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم، حيث يوجد به 32 أثرا إسلاميا، وفقا لما قاله الدكتور محمد أحمد عبد اللطيف أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية، وعميد كلية "السياحة والفنادق" بجامعة المنصورة ، ومساعد وزير الآثار السابق، لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ .. مشيرا إلى أن مصر تعتبر من أهم دول العالم من حيث امتلاك الآثار عامة والآثار الإسلامية بشكل خاص، بما يجعل منها دولة "عظمى أثريا"، حيث تعد الدولة الوحيدة التي تحتوي على آثار تمثل كل العصور والحقب التاريخية. وأضاف الدكتور محمد أن عدد الآثار الإسلامية يقدر بحوالي 622 أثرا تمثل العصر الطولاني، والإخشيدي، والفاطمي، إلى جانب آثار أخرى تمثل أسرة محمد علي، لافتا إلى أن تلك الآثار تتمثل في عمارة تخص الدفاع والحربية والقلاع والأسوار والحصون، كما تتمثل أيضا في العمارة المدنية من كتاتيب ومنازل وقصور، وعمارة دينية من مساجد وزوايا، منوها بأن القاهرة احتضنت كل مكونات هذه الآثار على مدار التاريخ وباتت رمزا ونموذجا فريدا للحضارة الإسلامية. وأكد على أهمية الاستفادة القصوى من الدور الثقافي والتنويري لتلك الآثار، جنبا إلى جنب مع الاستفادة الكاملة من كونها ثروة حقيقية في شقها الاقتصادي. وفي نفس السياق، قال السيد السعيد عزت حلمي خبير الآثار، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية السابق بوزارة الآثار المصرية لـ/قنا/، إنه لا يوجد مكان في العالم يوجد به هذا الكم من الآثار الإسلامية مثل القاهرة، لافتا إلى أن عدد المواقع التي يشملها قطاع الآثار الإسلامية في مصر 976 موقعا أثريا، يوجد 70 منها في مدينة القاهرة. وأشار إلى أن القاهرة مقسمة أثريا بالنسبة للآثار الإسلامية إلى جنوب وشمال وشرق وغرب ثم مصر القديمة والفسطاط، منوعا بأن أكبر حي في الآثار الإسلامية بالقاهرة هو حي الدرب الأحمر، الذي يستحوذ على نحو 26 بالمائة منها. وعلى ضوء القيمة الكبيرة التي تمثلها الآثار الإسلامية في مدينة القاهرة، تبرز أيضا أهمية التطوير الذي شهدته المناطق الأثرية كعنصر مهم نحو الحفاظ عليها وإحيائها لتبقى رمزا لهوية مصر وحضارتها الإسلامية العريقة. واستعرض الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوزارة السياحة والآثار المصرية، خطة الوزارة لتطوير ورفع كفاءة عدد من المناطق الأثرية في مختلف أنحاء الجمهورية، شملت شارع المعز لدين الله الفاطمي، حيث تم تطوير الجزء الشمالي منه، والذي يبدأ ببوابة الفتوح ليكون متحفا مفتوحا للعمارة والآثار الإسلامية. كما لفت إلى تطوير منطقة آثار الإمام الشافعي، وقباب مقابر الأسرة العلوية الأثرية الموجودة بها، وذلك في إطار مشروع تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، والذي تقوم به وزارتا "السياحة والآثار"، و"الإسكان"، منوها بإعداد مجموعة من الدراسات تمهيدا لطرح مشروع متكامل لترميم مقابر الأسرة العلوية، المعروفة باسم "حوش الباشا"، والتي بناها "محمد علي" مدفنا له ولعائلته في عام 1816م، ولكنه لم يدفن بها، حيث تم دفنه بمسجده بالقلعة، فضلا عن إعادة صياغة منطقة المدابغ بمنطقة سور مجرى العيون بالقاهرة، لتكون منطقة تراثية ومتنزها للمواطنين والسائحين الأجانب. وأشار في هذا الصدد إلى أن معالم القاهرة تغيرت منذ عام 1116، حيث خرجت عن أسوارها القديمة ليصل تخطيطها إلى القلعة، وبعدها أصبحت قاهرة محمد علي عام 1805م لتصل إلى عصر النهضة الذي شهد تطورا في العمارة، حتى أصبحت القاهرة "باريس الشرق" في عام 1862م في عهد الخديوي إسماعيل، وهو ما يجعل من تطوير وإحياء المناطق الأثرية هدفا مهما لمصر، للحفاظ على تاريخ القاهرة كمدينة تراثية عريقة، وعاصمة للثقافة الإسلامية.