
الفلسطينية وفاء: فقدتُ بصري فاستثمرت بصيرتي في حفظ القرآن
Al Sharq
كانت الفلسطينية وفاء أبو إسماعيل طفلةً بعمر الثامنة حين أصيبت بانفصالٍ شبكيٍّ في عينيها بين عشية وضحاها، انتهى إلى فقدها للبصر، والجلوس في البيت سجينة الظلام، لكنها
كانت الفلسطينية وفاء أبو إسماعيل طفلةً بعمر الثامنة حين أصيبت بانفصالٍ شبكيٍّ في عينيها بين عشية وضحاها، انتهى إلى فقدها للبصر، والجلوس في البيت سجينة الظلام، لكنها لم تبقَ على ذلك الحال، وهي التي اعتاد الجميع عليها تنشر ببريق عينيها النورَ والسلام. إنها مبصرةٌ بقلبِها وروحِها وعقلِها.. تقول لـ"الشرق": "لقد اعتدتُ العتمة، كما اعتدتم النور والإبصار، ولا أذكر يومًا في حياتي أنني دعوتُ الله أن يرد لي بصري، ولو أنني أعلم أن ذهابي اليوم لطبيب سيعيده لي ما ذهبت". وتضيف: "أوليس من ابتُلي بحبيبتيه عوضه الله منهما الجنة؟". أظلَمت دُنيا وفاء وذبُلَت عيناها، لكن بستان قلبِها ظلَّ مُزهرًا، يُعِدُّ لحياتِها مستقبلًا مُبهِرًا، تعلق: "كنت حينها أسكن مع عائلتي في الجزائر، وكلما مرت الأيام شعرت أن أحلامي تعود لي من جديد". تحفظ ما تسمع كانت صديقاتها في حصة اللغة العربية يصدحن بصوتٍ عالٍ وهنّ يقرأنَ الدرس بينما وفاء تُجهِد ذاكرتِها في حفظ كل ما يقرأنه، وتروي: "لما كان يأتي دوري في القراءة أعيد ما قرأته الطالبات عن غيب فينبهر الجميع مستغربين". وتوضح: "استمررت في الدراسة في المدارس العادية، وكان لأختي الكبرى دور كبير في مساعدتي ومواصلتي الدراسة، فكانت تقرأ لي دروسي وأنا أستمع لها وأحفظ كلماتها، حتى قدمت الامتحانات شفويًا وختمت الابتدائية بالامتياز". وتواصل: "في منتصف الإعدادية انتقلت متأخرةً لمدرسة المكفوفين وتعلمت لغة "برايل" في نصف الوقت الذي يفترض فيه أن أتعلمها، ليندهش الآخرون من جديد بفضل الله وتُنهي الإعدادية". عام 1995 عادت عائلة وفاء لقطاع غزّة، فكان المعهد الأزهري في مدينة غزّة هو الوحيد الذي يستقبل المكفوفين. لكن بُعد المسافة ما بين مدينة غزة وبلدة عبسان شرق خانيونس كان عائقًا أمام دراستِها تخطَته بإصرارِها على الاستمرار، حتى تخطت الأربع سنواتٍ ونالت لقب الأولى على الدّفعة. وتضيف "انتقلتُ للجامعة الإسلامية بغزّة، ولم يكن آنذاك نظام للقراءة والكتابة بلغة "برايل" كما الجزائر، بل كانت الدروس في كتبي مسجلةً عبر جهاز تسجيل صوتي، وذلك أرهقني في الدراسة دون أن يكسر إصراري بفضل الله، حتى تخرجت في قسم اللغة العربية بمعدلٍ ممتازٍ أيضًا عام 2003". وكالغالبية العظمى من الخريجين في قطاع غزة لم تحظَ بفرصة عملٍ، ورغم ذلك لم تستسلم للإعاقة، تقول "لو استسلمت للإعاقة لما صنعتُ شيئًا، فقد قرّرت أن أستثمر أيامي في حفظ القرآن الكريم لوحدِي وفي بيتِي، وعبر المُسجل والأشرطة القديمة". إرهاق ومواصلة فماذا كانت تفعل وفاء حال انقطاع التيار الكهربائي الذي يعيشه القطاع منذ 15 عامًا، تقول: "كنت أستخدم البطاريات لتشغيل المسجل، وكان الأمر مرهقًا جدًا خاصة كوني كفيفةً إذا ما أردتُ استرجاع آية أو كلمةٍ في سورة أضطر لاسترجاع آيات وسور كثيرة حتى أصل لما أردت، لكنني كنت أعرف وجهتي، إنني في الطريق لحفظ القرآن الكريم مهما كانت الظروف صعبة". في كل زاوية من زوايا البيت اتخذت مكانًا لها تردد فيه آيات الله وتسمعها، في المطبخ ساعة تنظيف الأواني وترتيب البيت، حيث لم يمنعها فقدانها للبصر من القيام بأمور البيت جميعها، ووقت النوم أو وقت الاسترخاء والراحة. وأخيرًا استطاعت وفاء حفظ القرآن الكريم في عاميّ "2004 - 2006" وراحت تعمل متطوعةً في المسجد القريب من بيتها، تُحفظ الصغيرات القرآن الكريم بحبّ، وتحكي لهنّ حكاياتها في التحدي والإرادة فتكون لهنّ قدوةً. أما شعار وفاء في حياتها فعظيم بقدر عظيم صنيعها فتقول بيقين: "ليس في الحياة شيء مستحيل ما دام الإنسان يمتلك الإرادة والإصرار والعزيمة، وحفظي لكتاب الله في ظل فقداني للبصر ليس بالأمر العظيم للغاية، إذا ما قورن بإنجازات أخرى كثيرة لأصحاب الهمم، وما دام الإنسان وضع في عقله وقلبه النية للوصول فإن الله لن يخذله". وفاء التي بلغت الأربعين تشعر اليوم برضى نفسي كبير، وبات الدعاء لوالديها دائمًا على لسانها "اللهم ألبس تاج الوقار لوالديّ بحفظي لكتابِك".More Related News