الهجوم على محطة "زابوريجيا".. كارثة نووية وشيكة تفوق تشيرنوبيل
Al Arab
استيقظ العالم على وقع كارثة نووية كادت أن تحدث في أكبر محطة للطاقة النووية في أوكرانيا، وتخلف وراءها فاجعة بشرية وكارثة بيئية تفوق في أثارها مأساة تشيرنوبيل
استيقظ العالم على وقع كارثة نووية كادت أن تحدث في أكبر محطة للطاقة النووية في أوكرانيا، وتخلف وراءها فاجعة بشرية وكارثة بيئية تفوق في أثارها مأساة تشيرنوبيل التي وقعت في ثمانيينات القرن الماضي، وذلك بعدما أعلنت السلطات الأوكرانية عن تمكنها من إخماد حريق هائل في أكبر محطة للطاقة النووية ليس في أوكرانيا فحسب بل في أوروبا كلها، في أعقاب هجوم شنته القوات الروسية على محطة "زابوريجيا" للطاقة النووية. فقد اندلع الليلة الماضية حريق هائل بمبنى مركز التدريب بجوار محطة "زابوريجيا" النووية في مدينة /إينيرغودار/ جنوبي أوكرانيا، إلا أن رجال الإنقاذ تمكنوا من إخماد النيران التي اندلعت على مساحة بلغت ألفي متر مربع بالطوابق الثالث والرابع والخامس من المبنى، وفق بيان الهيئة الحكومية الأوكرانية للحالات الطارئة، الذي أكد أيضاً عدم تجاوز المستوى الإشعاعي في محيط المحطة. وتمتلك أوكرانيا أربعة مفاعلات نووية تضم 15 محطة نووية نشطة، وتعد واحدة من أكبر البنى التحتية النووية في العالم، وهو ما يثير مخاوف عالمية من تعرض تلك المفاعلات لهجوم خلال التصعيد العسكري الروسي الجاري حاليا في أوكرانيا. وتضم محطة "زابوريجيا" للطاقة النووية وحدها 6 مفاعلات نووية، وتبلغ طاقة انتاجها الإجمالي نحو ستة آلاف ميغاوات، وهي طاقة تكفي نحو أربعة ملايين منزل، كما أنها تعد واحدة من أكبر المنشآت الذرية في العالم، وتقع المنشأة في جنوب أوكرانيا على نهر /دنيبر/، على بعد نحو 525 كيلومترا جنوب تشيرنوبيل، حيث وقع أسوأ حادث نووي في التاريخ عام 1986، موقعا مئات القتلى. وتعتبر المحطة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا، لأنها لا تبعد سوى 200 كيلومتر عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في عام 2014. "رعب نووي"، بهذه الكلمات وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قصف محطة "زابوريجيا"، متهما روسيا باللجوء إلى "الرعب النووي والسعي لتكرار كارثة /تشيرنوبيل/ بقصفها محطة "زابوريجيا" النووية الأكبر في أوروبا"، لافتا إلى أن أوكرانيا تمتلك 15 مفاعلا نوويا، وإذا حدث انفجار، "فستكون نهاية أوكرانيا وأوروبا وكل شيء، وسيتم إخلاء أوروبا"، مذكرا بموت مئات الآلاف بسبب كارثة تشيرنوبيل عام 1986، فضلا عن إجلاء مئات الآلاف الآخرين. واعتبر زيلنسكي أن روسيا تكرر ذلك الآن، في وقت سارع فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن بالاتصال بنظيره الأوكراني للاطلاع على آخر المستجدات بشأن الحريق الذي نشب بالمحطة النووية. وانضم بايدن إلى زيلينسكي في حث روسيا على وقف أنشطتها العسكرية في المنطقة، والسماح لفرق الإطفاء والطوارئ بالوصول إلى الموقع. الهجوم على محطة "زابوريجيا" أثار مخاوف العالم كله وأوروبا خاصة التي سارعت في طلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث "الهجوم الروسي" على المحطة، فقد طلبت بريطانيا بعقد جلسة غير عادية للمجلس بعد الهجوم على "زابوريجيا"، مشيرة إلى أنها ستستخدم كافة السبل القانونية والسياسية المتاحة لديها لمعالجة هذه "القضية الخطيرة". إلى ذلك، قال السيد بن والاس، وزير الدفاع البريطاني، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلعب بالنار بمهاجمة محطة "زابوريجيا"، وطالبه بوقف استهداف مثل هذه المواقع. وحذر والاس من أن هذه الخطوة لا تمثل خطورة على أوكرانيا وروسيا فحسب، إنما هي خطورة تصعيدية بحق أوروبا أيضا، "وهي لعب بالنار يتجاوز حقا كل ما له علاقة بالمنطق أو الضرورة". كما دان السيد ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، "تهور" روسيا بقصفها محطة للطاقة نووية في أوكرانيا، مطالبا موسكو بوقف الحرب على جارتها. وقال ستولتنبرغ، قبيل اجتماع مع وزراء خارجية دول غربية، "أطلعنا أيضا ليلا على تقارير بشأن الهجوم على محطة الطاقة النووية.. هذا يظهر التهور في هذه الحرب وأهمية وضع حد لها وأهمية أن تسحب روسيا جميع قواتها والانخراط بحسن نية في جهود دبلوماسية". وفي فيينا، طلب السيد رافائيل ماريانو غروسي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بإجراء زيارة إلى مدينة "تشيرنوبيل" الأوكرانية للتفاوض مع روسيا وأوكرانيا على مسألة ضمان أمن المواقع النووية الأوكرانية، مشيرا إلى أن الزيارة ستهدف لمناقشة "إطار عمل" مع الطرفين لحماية أمن وسير العمل في المواقع النووية الأوكرانية. وجاء الطلب بعد سيطرة القوات الروسية على محطة "زابوريجيا" الأوكرانية بعد معارك مع القوات الأوكرانية تسببت باندلاع حريق وأثارت مخاوف من احتمال وقوع حادث نووي. وبشأن سلامة المفاعلات في محطة "زابوريجيا" النووية، أكد مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لم يلحق بها أي ضرر، على الرغم من تعرضها لقصف روسي الليلة الماضية أدى لاندلاع حريق في أجزاء منها، ما أثار مخاوف من ارتفاع نسب الاشعاع في محيطها. أما السيد أوليغ بوندارينكو، رئيس لجنة شؤون البيئة بالبرلمان الأوكراني، فحذر روسيا من أنه في حال وقوع انفجار نووي بأي من محطات الطاقة النووية في بلاده ، فإن ذلك لن يشكل خطورة كارثة بيئية على أوكرانيا وأوروبا فحسب، وإنما على روسيا نفسها أيضاً. وفي اليوم الأول من التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا، سيطرت القوات الروسية على موقع المحطة النووية المعطلة في تشيرنوبيل بعد معركة شرسة مع القوات الأوكرانية.
ويخشى العالم من كارثة مماثلة لكارثتي محطة تشيرنوبيل بأوكرانيا وفوكوشيما في اليابان ففي عام 1986 انفجر المفاعل الرابع للطاقة في تشيرنوبيل، ما أدى إلى مقتل الآلاف وتلويث معظم أنحاء أوروبا، حيث تم تغطية المفاعل المتفجر بغطاء وقائي منذ عدة سنوات لمنع التسرب الإشعاعي. أما كارثة فوكوشيما التي وقعت في 11 مارس عام 2011 حين أدى زلزال مدمر وقع في شمال شرقي اليابان إلى أمواج مد عاتية (تسونامي)، تسببت في حدوث انصهار نووي، ما تسبب بمقتل أكثر من 15 ألف شخص، وبكارثة بيئية في محطة /فوكوشيما/ النووية. ويشير خبراء في مجال الطاقة النووية إلى أن المحطات النووية قوية جدا في مقاومتها للحوادث، إذ يمكن أن تتحمل اصطدام طائرة ضخمة بها دون أن تتأثر المفاعلات داخلها، إلا أنهم شددوا على أن تلك المحطات ليست مصممة لأن تكون في منطقة حروب، فقد تتعرض لقصف صاروخي مباشر أو بشكل غير مباشر عن طريق الخطأ، مما قد يؤدي إلى حدوث تسرب إشعاعي، خاصة إن أصيبت المباني المخصصة للتخلص من النفايات النووية، فهذه المباني أقل تأمينا من المفاعل نفسه. لكن يظل الخطر الأكبر هو أن يؤدي صاروخ طائش إلى انقطاع الكهرباء عن آليات تبريد المفاعلات النووية، أو هجمة إلكترونية على شبكة الكهرباء تؤدي لفشل مولدات الكهرباء الاحتياطية. هذه السيناريوهات قد تؤدي إلى ارتفاع حرارة قلب المفاعل النووي وذوبان المواد المشعة بداخله، ففي حالة ذوبان قلب المفاعل، فإن ذلك قد يؤدي لتسرب إشعاعي تبيد الحياة لآلاف الكيلومترات حولها. كما يخشى الخبراء من صعوبة الحفاظ على تشغيل المفاعلات بموظفين مناسبين وبروتوكولات أمان في وسط منطقة حرب. وقد وصل عدد ضحايا حادث تشيرنوبل عام 1986 إلى أكثر من 4 آلاف شخص جراء التعرض للإشعاع المنبعث. وقدر منتدى تشيرنوبيل التابع للأمم المتحدة أن تلك الانبعاثات ستؤدي إلى 5 آلاف وفاة أخرى بسبب الإصابة بالسرطان على مدار 50 عاما. كما أصيب الآلاف بسرطان الغدة الدرقية في السنوات التي أعقبت الحادث مباشرة. وللحد من امتصاص الإشعاع الذي استقر على الأرض بعد تشيرنوبيل، اضطرت السلطات السوفيتية في ذلك الوقت إلى تهجير مئات الآلاف من الأشخاص وإزالة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والغابات لعقود. وبحسب القانون الصادر عن المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2009، فإن أي هجوم مسلح أو تهديد ضد المنشآت النووية المخصصة للأغراض السلمية يشكل انتهاكا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.