هل تنقذ "الجرعة الثالثة" الاقتصاد الأمريكي من فيروس "الركود التضخمي"؟
Al Sharq
في محاولة ثالثة خلال 3 أشهر، للإمساك بعجلة التضخم والحد من ارتفاع الأسعار وإعادة الثقة للمؤسسات الاقتصادية الأمريكية، وهي تواجه تحديات وصعابا غير مسبوقة في التاريخ
في محاولة ثالثة خلال 3 أشهر، للإمساك بعجلة التضخم والحد من ارتفاع الأسعار وإعادة الثقة للمؤسسات الاقتصادية الأمريكية، وهي تواجه تحديات وصعابا غير مسبوقة في التاريخ القريب، جراء جائحة كورونا ومترتبات الحرب الروسية في أوكرانيا، قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نصف نقطة مئوية في أكبر زيادة خلال 22 عاما. وكان الفيدرالي الأمريكي قد رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.5% في مايو الماضي، لأول مرة منذ عام 2000، وللمرة الثانية منذ عام 2018، وكانت الجرعة الاسعافية الأولى برفع الفائدة بنسبة 0.25% في مارس الماضي، ويأتي القرار الفيدرالي الأمريكي الأخير، ضمن إجراءات متسارعة لمواجهة التضخم في أمريكا بعد أن وصل إلى أعلى معدلاته منذ أكثر من 40 عامًا. وبرر جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي هذا القرار، الذي كان متوقعا على نطاق واسع قبل صدوره، بالقول "التضخم مرتفع جدا ونحن مصممون على استقرار الأسعار"، مؤكدا الالتزام بإعادة التضخم إلى مستوى 2% المستهدف، بينما لا تبشر الاجراءات السابقة التي اتخذت خلال الأشهر الماضية أن ذلك الأمل الاقتصادي سهل المنال، وهذا ما تشي به تصريحات باول في المؤتمر الصحفي ،اليوم، والذي عقده بعد زمن وجيز من صدور بيان الرفع الثالث لسعر الفائدة، حيث لم يخف قلقه مما سيمضي إليه قطار الاقتصاد الأمريكي في العام القادم. وكان باول قد قال عقب الرفع الثاني في مايو الماضي إن "بلورة سياسات مالية سليمة في هذه الظروف لن تكون سهلة". وعقب صدور القرار الأخير في واشنطن وفي أقل من ساعتين ، هبطت أسعار النفط بما يصل إلى أكثر من ثلاثة دولارات وسط قلق الأسواق حيال هبوط في الطلب، وأنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت تسليم أغسطس جلسة التداول منخفضة 2.7 دولار، أو 2.2 بالمئة، لتسجل عند التسوية 118.51 دولار للبرميل. وانخفضت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط تسليم يوليو 3.62 دولار، أو 3.04 بالمئة، لتبلغ عند التسوية 115.31 دولار للبرميل بعد أن هوت أثناء الجلسة إلى 114.60 دولار. وأرسلت أكبر زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية منذ عام 1994 الدولار أيضا إلى مستويات مرتفعة ليصعد مؤشره لأعلى مستوى منذ عام 2002 ، ويرى مراقبون من شأن صعود العملة الخضراء أن يجعل النفط المسعر بالدولار أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى وهو ما يقلص الطلب. ومن ناحية أخرى، أظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية اليوم أن إنتاج النفط الأمريكي، الذي ظل راكدا إلى حد كبير على مدار الأشهر القليلة الماضية، ارتفع بمقدار 100 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي إلى 12 مليون برميل يوميا، وهو أعلى مستوى منذ أبريل 2020. وأظهرت البيانات أيضا زيادة في مخزونات الخام ونواتج التقطير الأمريكية، في حين سجل مخزون البنزين انخفاضا مفاجئا.
وفي السياق ارتفعت أسعار الذهب إلى 1.7 بالمئة لتصل 1839.55 دولار للأوقية، كما أعلن مصرف قطر المركزي رفع سعر فائدة المصرف للإيداع (QCBDR) بمقدار 75 نقطة أساس ليصبح 2.25% ، كما رفع سعر فائدة الإقراض من المصرف (QCBLR) بمقدار 50 نقطة أساس ليصبح 3.25%، كما قرر البنك المركزي السعودي زيادة أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 50 نقطة أساس، بينما كان قرار بنك الكويت المركزي رفع سعر الخصم بواقع ربع نقطة مئوية إلى 2.25%. ويأتي الاهتمام العالمي بمجريات الأوضاع والسياسات الاقتصادية الأمريكية، لتأثيرها المباشر على غالب اقتصاديات الدول الكبرى والنامية والفقيرة والتي لم تنج من الآثار الارتدادية لجائحة كورونا، ولا مترتبات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يعيش العالم موجة تضخم اقتصادي غير مسبوقة، بلغت معها الزيادات في أسعار السلع والمنتجات نسبة بين 25 و40 بالمئة وصفت بالقياسية، ما جعل هذا التحدي محور مناقشات سياسية في العديد من البلدان، لاسيما في الولايات المتحدة وبعض الاقتصادات المتقدمة الأخرى. ويتضح من قراءة البيانات الإحصائية الصادرة عن الاقتصادات الكبرى والنامية على السواء، أن أي دولة حول العالم لم تفلت بدرجة ما من هذا الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، وعلى سبيل المثال "، فقد بلغ هذا المعدل في الولايات المتحدة، أكبر زيادة سنوية له منذ ديسمبر عام 1981، مع ارتفاع أسعار السلع في مارس الماضي، وفي منطقة اليورو سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا بلغ 8.1 بالمئة في مايو الماضي صعودا من الرقم القياسي السابق 7.4 بالمئة الذي بلغه في أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ بدء حفظ السجلات لليورو في عام 1997، وسط ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء. أما في بريطانيا فبلغ المعدل خلال شهر مارس الماضي أعلى زيادة له منذ 30 عاما، بعد أن ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 7 بالمئة خلال عام حتى مارس الماضي، مقارنة بنحو 6.2 بالمئة في فبراير الماضي، وفي أستراليا سُجل أعلى معدل تضخم سنوي منذ أكثر من 20 عاما، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك، الذي يقيس تكاليف المعيشة، بنسبة 2.1 بالمئة خلال الربع المنتهي في مارس الماضي و5.1 بالمئة في الـ12 شهرا المنتهية في مارس 2022. بينما سُجل معدل التضخم السنوي الأعلى عالميا في تركيا عندما وصل 73.5 بالمئة في شهر مايو الماضي، وبلغ في الأرجنتين معدل 40 بالمئة في أبريل، أما عربيا فالارتفاع السنوي في مصر بلغ، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 14.9 بالمئة خلال شهر أبريل الماضي مقابل 12.1 بالمئة في مارس الذي قبله، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر عام 2018، وبلغ في تونس وفقا للمعهد الوطني للإحصاء، نسبة 7.8 بالمئة خلال شهر مايو الماضي مقابل 7.5 بالمئة خلال أبريل 2022. ولعل هذه الأرقام هي ما دفع صندوق النقد الدولي مؤخرا لتعديل توقعاته للتضخم في العام 2022، مرجحا أن يصل التضخم إلى 5.7 بالمئة في الاقتصادات المتقدمة و8.6 بالمئة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وفرض على البنك الدولي كذلك خفض توقعاته للنمو العالمي 1.2 نقطة مئوية إلى 2.9 بالمئة في 2022 محذرا من مخاطر "ركود تضخمي" أي "فترة طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع". وكانت وزارة الطاقة الأمريكية ،قد منحت ،أمس، عقودا لبيع ما يصل إلى 45 مليون برميل من النفط الخام من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للولايات المتحدة في إطار إعلان أصدرته إدارة الرئيس جو بايدن في مايو الماضي، وأضافت الوزارة في بيان أن الكميات المباعة سيجري تسليمها في الفترة من 16 أغسطس إلى 30 سبتمبر، وقالت إنها منحت عقود النفط إلى تسع شركات من بينها شيفرون وإكسون موبيل وماراثون بتروليوم. وكان الرئيس الأمريكي قد وجه انتقادات للشركات النفطية الكبرى في بلاده، داعيا إياها إلى "عدم استغلال الصعوبات الناجمة من الحرب في أوكرانيا ذريعة لمفاقمة الأوضاع للعائلات من خلال جني أرباح مفرطة أو رفع الأسعار". وشملت زيادة الأسعار الشهر الماضي كل القطاعات، بما فيها السكن والبنزين وتذاكر السفر والمواد الغذائية والسيارات الجديدة والمستعملة، وصولا إلى الخدمات الصحية والملابس، حيث رصدت أعلى زيادة سنوية في أسعار الطاقة والمواد الغذائية التي سجلت زيادة حادة منذ بدء الحرب الأوكرانية لتبلغ نسبة 34.6 بالمئة للطاقة، وهي أعلى زيادة منذ سبتمبر 2005، ونسبة 10.1 بالمئة للمواد الغذائية، وهي الأعلى منذ مارس 1981، وتسببت الصعوبات في سلاسل الإمداد العالمية بارتفاع الأسعار في كافة أنحاء العالم، غير أن هذه الأزمة ازدادت حدة في الولايات المتحدة إذ اقترنت بنقص في اليد العاملة، في وقت أدت المساعدات المالية الحكومية السخية إلى تحفيز الطلب. غالب توقعات المراقبين لا تمضي في اتجاه التفاؤل بأن توفر الجرعات الإسعافية والوقائية الثلاثية مردودا من التعافي، يمكن الاقتصاد الأمريكي والعالمي على أثره، من تجاوز أصعب محطاته التاريخية، فشبح فيروس كورونا يلوح في الأفق مجددا، بعد ظهور موجة جديدة من الإصابات في الصين، تغذي مخاوف بشأن الدخول في مرحلة جديدة من الإغلاقات، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال مستمرة دون بروز توقعات بالانتهاء والتوقف أو بقرب ازالة الألغام من مياه الموانئ الأوكرانية لتعبر سفن القمح بسلام، لتنقذ حياة الملايين في العالم من مجاعة كارثية متوقعة.