فلسطينيات صنعن الحظ بقالب حلوى
Al Sharq
لم يكن الاستسلام يومًا من طبعهن، ولا الظروف الصعبة من تحكمهن، فالحياة في قطاع غزة صعبة من كل النواحي ولا ترأف بالمتخاذل فيها. هالة الأخشم شابة في بداية الثلاثينات،
لم يكن الاستسلام يومًا من طبعهن، ولا الظروف الصعبة من تحكمهن، فالحياة في قطاع غزة صعبة من كل النواحي ولا ترأف بالمتخاذل فيها. هالة الأخشم شابة في بداية الثلاثينات، حلمت منذ صغرها بأن تكون مقدمة برنامج تليفزيوني، فدرست الإعلام وهي تتوق للوقوف أمام الكاميرا تقدم برنامجًا مميزًا. لكن عقلها كان يخزُها دومًا "صحصحي يا هالة، فأنتِ في غزة المحاصرة التي تفتقد لفرص العمل، غزة سجن كبير تُقتل فيه الأحلام، الأمر ليس بتلك السهولة". ظلت تلك الأفكار تنخر بعقلها، وتحوم حولها، وشغفها لتقديم برنامج تليفزيوني هو الآخر يلاحقها. تقول هالة لـ"الشرق": "لم أنتظر كثيرًا، فخمس سنوات في البحث عن عملٍ دون جدوى كُن كافياتٍ لأن أُقرر أن أكون سيدة نفسي، وسيدة قناتي وبرنامجي الخاص، فأعددته وجعلته باسم "أطيب وصفة"، فأنا أمتلك مهارة الطبخ وصناعة الحلوى الشهية". وتضيف: "هذا الأمر ساعدني على الظهور إعلاميًا، ومن ثم ابتدأت الفضائيات بالتواصل معي لأكون ضيفًا معها يقدم الوصفة المميزة، فمن إذاعة صوت نساء غزة للقدس، لقناة الكوفية، للكتاب". وكانت فرصة ممتازة لهالة عام 2018 في تقديم برنامج رمضاني في قناة طيف، ومن ثم بدأت الشركات الغذائية بالتواصل معها لتقدم برنامجًا برعايتها مستخدمةً منتجاتها التي تقوم بدورها في نشر الحلقات عبر صفحاتها. سوقت الشيف هالة لنفسها جيدًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدًا "الانستغرام"، فصنعت أشهى الأكلات والحلويات بسعر يناسب الجميع، تعبر: "كل من يشتهي لا بد وأن يتناول، كانت تلك قناعتي، وركزت على تحضير الكثير من المواد الأساسية في الطبخ في البيت، مثل القشطة وكريمة الطبخ والكاتشاب والمايونيز وجبنة الموزاريلا وغيرها". وتشير هالة إلى أن والدتها وطفلاتها وزوجها وغالبية متابعيها يدعمونها دومًا ذلك جعلها تقوم من جديد مهما كانت متعبةً، وحول هذا تعلق: "الكلمة الطيبة لا تُسعِد الصغير فقط وتملؤه بالطاقة الإيجابية والنشاط، إنما الكبير أيضًا". وإن كان الجميع يدعمها دون زوجها ما كانت هالة أبدعت، توضح: "وإن كانوا يقولون إن وراء كل رجل عظيم امرأة، فإنني أقول إن وراء كل امرأة عظيمة رجلا عظيما، ولكن على المرأة أن تبدأ أولًا وتفكر وتقرر وتجتهد وتتميز وتثبت نفسها وتبحث بداخلها عن مهارة، فالمهارة أمر مهم في الحياة". *أساس التميز أما الشيف أماني تنيرة فكانت طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة، لم يكن من مفر أمامها سوى أن تخبئ الكيك التالف في كيس أسود وأن تخفيه عن عيني أمها، تقول لـ"الشرق": "رميته وكأن شيئا لم يكن". وتضيف: "كنت صغيرة أعشق المطبخ وصناعة الطعام، أراقب والدتي بشغف فتبتسم لي وتسعد لأجلي، وحين خرجت من البيت ذات يوم قررتُ أن أصنع قالبا من الكيك الشهي كأول تجربة في حياتي، لكنها فشلت فأخفيتها، إلا أنني كنت سعيدة بالتجربة وأظنني عرفت الخطأ حينها بتلك المحاولة". تميزت أماني اليوم في صناعة الأكلات بمختلف أنواعها وثقافاتها، توضح: "لم أكن أكبر أخواتي لأتعلم وصفات الطعام من أمي في الطفولة، لكنني عرفت شغفي بمساعدتها ومتابعتها وتشجيعها". وتشير إلى أن والدتها تعلم أن تلك المهارة الصغيرة قد تكون ذات يوم مشروعا كبيراً، تعبر: "فالشغف والتشجيع أساسا التميز والمضي للأمام، إنهما كفيلان بنشل أي شخص من مستنقع اليأس وربما البطالة خاصة في قطاع غزة المحاصر". وتواصل: "بما أنني فلسطينية من هذا القطاع كنت متوقعة بأنني سأمر بما مر به الشباب من قبلي من عدم توفر فرص للعمل ومن إحباط وملل وشعور بالظلم، تلك الكلمة التي لا تروق لي". قررت أماني أن تفتتح قناتها في سنتها الأخيرة في الجامعة وهي التي حصلت على معدل 85٪ في التعليم الأساسي، وبدأت بنشر أكلاتها ووصفاتها التي تغمرها بكل ما تملك من حب وشغف – وفق وصفها-. تعلق: "لاقيت ردودا إيجابية كثيرة وتفاعلا واضحا زاد من رغبتي في التقدم والتميز، حتى بات لي دخل خاص أوفره لنفسي دون أن أقعد نادبة لحظي وحظ غزة، لقد صنعت حظي بنفسي". *العمل بحب فيما كانت مي عنان طفلة تستقي المعلومات البسيطة من حصص "التدبير" في مدرسة الوكالة التي تم إلغاؤها للأسف اليوم في قطاع غزة ضمن تقليصات وكالة الغوث، شعرت والدتها بميلها لصنع الحلوى، والمأكولات. تقول مي لـ"الشرق": "تركت والدتي الحياة تبتسم لي بابتسامتها حيث شجعتني ووقفت بجانبي في المطبخ، لَمَسَتْ شغفي فقدرته بابتسامة وقبول، لم تطلب مني أن أترك تلك الأمور اللامنهجية جانبًا وأذهب لدراستي المدرسية كي أحصل أعلى الدرجات، فهي تعرف قيمة الشغف وتنمية القدرات في ما نُحب". وتضيف: "أنا امرأة لا أمل من التحدي والمنافسة حتى الوصول لما أريد، درستُ العلاقات العامة والإعلان بكلية مجتمع الأقصى وحصلت على لقب "أفضل طالبة"، تعلمت الكثير من تخصصي فلم أترك معلومةً تسويقيةً تضيع هباءً". وتتابع: "تخرجت وعملت بتخصصي في نفس كليتي فترةً من الزمن بسبب تميزي في الجامعة بفضل الله، ولكن فرص العمل في غزة كما اعتدنا ليست دائمة بل باتت شبه معدومة، ففتحتُ مشروعي الخاص بصنع الحلويات، وبتُ أستقبل الطلبات وأصنع الحلوى بروحٍ حُلوة، وشتان من يعمل بحب ومن يعمل مجبَرًا". تميزتُ بشغفها ودعم أهلها، تعلق: "إنهم عظيمون حين يشعرون بما في دواخلنا ويقدرون أبسط أشيائنا فيبتسمون لنا ويطورونها لتزهر بابتسامتهم حياتُنا". هالة وأماني ومي لسنَ الوحيدات اللواتي أنشأن مشروعهن الخاص لتحقيق شغفهن وتحقيق مصدر دخلٍ خاص بهن وللتخلص من البطالة التي تتفشى في قطاع غزة، فهناك المئات من الفلسطينيات اللواتي صنعن الحظ بأيديهن، خاصة في ظل تشجيع الأهل ودعمهم المستمر، فالزهور تنمو في البساتين لا في الكهوف.